رام الله | بعد تجميده إياها لفترة، قرّر وزير المالية في حكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، تحويل الموازنات المستحقّة للسلطات المحلية العربية في الداخل المحتل، عقب اجتماع عُقد مساء الأحد بمشاركة رؤساء سلطات محلية، ورئيس «الشاباك»، رونين بار، والمفتش العام للشرطة، يعقوب شبتاي، ووزير الداخلية، موشيه أربيل. إلا أن سموتريتش ربط قرار التحويل بسنّ قانون يفرض من خلاله رقابة على الموازنات قبل إنفاذها، وفي حال عدم وجود موانع بموجب ما ينصّ عليه القانون، يتم تحويل الأموال من وزارة المالية إلى وزارة الداخلية خلال 3 أسابيع، على أن تقوم الأخيرة بتحويلها إلى السلطات المحلية العربية. وبرّر زعيم حزب «الصهيونية الدينية» هذا الإجراء بالقول «(إننا) نحول دون استيلاء تنظيمات إجرامية على الموازنات المخصّصة لسلطات (البلدات) العربية».من جهتها، حاولت أجهزة الاحتلال الأمنية، سواء الشرطة أو «الشاباك»، المتّهمة بالتواطؤ مع عصابات الإجرام في البلدات العربية، استغلال مسألة المخصّصات المالية لتسويق اهتمامها بمحاربة الجريمة، من خلال مطالبة سموتريتش بتخصيص جزء من تلك المخصّصات لهذا الغرض. وفي السياق، دعا رئيس «الشاباك» إلى إنشاء قناة تواصل مع رؤساء السلطات المحلية العربية، في ما يُعتقَد أن خلفه مخاوف لدى سلطات الاحتلال من تدخل منظمات الإجرام في الانتخابات المقرّرة في أواخر تشرين الأول المقبل. وكان تجميد الموازنة أثار ردود فعل متباينة في الكيان، برز من بينها تحريض وزيرة حماية البيئة، عيديت سيلمان، على السلطات المحلية العربية، بالقول: «أنا لا أحوّل شيكلاً إلى المجتمع العربي الذي يدير العصابات. يجب إيقاف هذا العالم». أما وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، يوآف كيش، فانتقد قرار سموتريتش، كونه سيؤثر على افتتاح العام الدراسي في المجتمع العربي.
وعربياً، قوبل القرار برفض شعبي ورسمي؛ إذ لوّحت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية بالإضراب المفتوح في الداخل المحتل، وعدم افتتاح السنة الدراسية الجديدة في بداية أيلول المقبل، في حال عدم التجاوب مع مطالبها، بعدما كان تظاهر المئات من رؤساء ومستخدَمي تلك السلطات في القدس المحتلة. وفي مواجهة تبرير سموتريتش التجميد بدعوى أن السلطات المحلية العربية تقع تحت تهديد مستمر من منظمات الإجرام، وأنه يجب إيجاد آلية لتحويل الموازنات بحيث تكون خاضعة لرقابة مشدّدة، يؤكد رؤساء السلطات المذكورة أن الحكومة والشرطة الإسرائيليتين ليستا مُعفاتيْن من مسؤوليتهما عن التعامل مع الجريمة، مشدّدين على ضرورة تحويل الموازنات من دون رقابة أو تأخير، ومعتبرين أن ما يقوم به سموتريتش هو خلط للملفات، وأن مواجهة محاولات العصابات السيطرة على الإدارات المحلية تكون بمعاقبة أفرادها وملاحقتهم، وليس الرضوخ لهم.
رغم التراجع عن تجميد الموازنة للسلطات المحلية العربية في الداخل المحتل، ثمّة توقّعات بقرارات مماثلة في المستقبل


وتبلغ قيمة «هبات الموازنة» المستحقّة للسلطات المحلية العربية 200 مليون شيكل (قرابة 25% من موازناتها)، وتجميدها يعني بالنسبة إلى تلك السلطات مسّاً خطيراً بمواردها الأساسية، سيؤدي إلى عجزها عن دفع رواتب موظفيها، خاصة في ظلّ ما تعانيه من شحّ في الأموال وغياب لأي تطوير حقيقي لمناطق صناعية وتجارية. والموازنات المفرَج عنها بعد طول أخذ ورد، تُخصّص عادةً للتعليم والرعاية الاجتماعية والثقافة ورواتب الموظفين وغيرها، وهي تُعدّ جزءاً من الحقوق الأساسية للمواطنين العرب في الداخل المحتل، الذين يدفعون الضرائب لسلطات الاحتلال، ويعانون في الوقت نفسه التمييز والعنصرية في كل مناحي الحياة.
وأضاء قرار سموتريتش الضوء على بعض جوانب تلك المعاناة التي تسبّبت بها حكومات الاحتلال المتعاقبة، ومثّل مناسبة جيدة لإطلاق نضال شامل وواسع ضد سياسات العنصرية والتمييز الصهيونية، إذ توسّعت مطالبات الفعّاليات الاحتجاجية التي وصلت إلى مدينة القدس، من صرف الموازنة إلى رفض وإدانة النهج العنصري الذي يقود هذه السياسات في كل ما يتعلق بما هو عربي، والذي تجلّى في تفشي الجريمة وعمليات القتل الجارية بتواطؤ وغضّ طرف من قبل شرطة الاحتلال والأجهزة الأمنية المتفرقة. والنهج العنصري نفسه هو الذي يسمح لشرطة الاحتلال بممارسة العنف ضدّ التظاهرات السلمية العربية التي كانت ستشمل إعلان الإضراب الاحتجاجي والإنذاري الشامل في جميع السلطات المحلية في حال عدم تجاوب الحكومة مع مطالب «اللجنة القطرية»، وسط إعلان السلطات المحلية اليهودية، نيّتها الإضراب تضامناً مع نظيرتها العربية.
في كلّ الأحوال، وعلى رغم عودة سموتريتش عن تجميد المخصّصات، يشكّل القرار بالنسبة إلى الوسط العربي مجرد بداية، استُخدِمت لجسّ النبض، وسط توقّعات بأن يتبعها حظر موازنات ومخصّصات أخرى للمجتمع العربي في مناحي الحياة كافة، ولا سيّما في ظل سيطرة اليمين على الحكومة، وإمساك الفاشي، سموتريتش، بوزارة المالية، كوْن أولويّته هي تخصيص الموازنات للمستوطنات في الضفة الغربية وللجمعيات اليهودية الدينية. ويُشار، هنا، إلى أن دولة الاحتلال تخصّص - منذ أيام وزير المالية السابق موشيه كحلون - موازنة (نحو 15 مليار شيكل أو 4 مليارات دولار) لما سُمّي «تقليص الفجوات» بين البلدات اليهودية والعربية، وذلك استجابة للشروط الأوروبية لإدراج إسرائيل ضمن مسار التنمية الاقتصادية العالمية وفي «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».