بغداد | لم تكشف الحكومة العراقية، حتى الآن، عن طبيعة التحركات العسكرية الأميركية على الحدود العراقية - السورية، لكن مستشار رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، خالد اليعقوبي، الذي تحدّث إلى وسائل إعلام محلية، استبعد وجود تحشيد للقوات الأميركية داخل الأراضي العراقية، موضحاً أن هناك استبدالاً للقطعات الأميركية الموجودة في سوريا. وكان «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن قد أعلن، الخميس الماضي، أن أفراداً في «التحالف» من «الفرقة الجبلية العاشرة»، حلّوا محل أفراد من «الحرس الوطني» لولاية أوهايو، في إطار عملية الإحلال والمناوبة المخطّط لها، لدعم «قوة المهام المشتركة».مع ذلك، صعّدت الفصائل المسلحة في العراق لهجتها، متوعّدةً باللجوء إلى الخيار العسكري لإخراج القوات الأميركية من الأراضي العراقية، ومعتبرة التحركات الأخيرة لتلك القوات «مشبوهة». كما دعت رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، إلى كشف ما يجري على الحدود المشتركة مع سوريا، ولا سيما على المثلث الحدودي في منطقة التنف. وأشارت «حركة النجباء» التي يتزعّمها أكرم الكعبي، في بيان، إلى أنه «على رغم انتظار الشعب العراقي مخرجات اجتماع الوفد الذي وعدت الحكومة بتكليفه بمهمة إنهاء الاحتلال وإخراجه من العراق بشكل كامل، فإن الأخبار متضاربة بهذا الخصوص»، محذّرة من تحركات مشبوهة لأرتال عسكرية أميركية من جنوب العراق إلى شماله وغربه، «تنتهك الحدود، وتضرب عرض الحائط بسيادة البلد».
كما انتقدت «كتائب حزب الله - العراق»، في بيان، التحركات الأميركية، معتبرةً إياها «دليلاً واضحاً على صلافة العدو وتعنّته لإبقاء قواته القتالية الغازية في ‏البلاد». وقال البيان، إن «هذه القوات لا تعد ذات قيمة عدةً وعدداً بالمقارنة مع ما كان ‏عليه الجيش الأميركي بقضه وقضيضه قبل طرده مهزوماً عام 2011، ‏فضلاً عن تعاظم إمكانات المقاومة الإسلامية التي نمت وفاقت قدراتها، ما ‏كانت عليه آنذاك».
وفي منتصف آب الجاري، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن العراق لم يعد بحاجة إلى وجود قوات مقاتلة أجنبية على أراضيه، وذلك في اجتماع مع عدد من قادة الجيش العراقي، فيما زارت وفود أمنية رفيعة المستوى واشنطن لبحث مسألة الوجود الأميركي. وفي السياق، يُفيد عضو في لجنة الأمن والدفاع النيابية، «الأخبار»، طالباً عدم ذكر اسمه، بأن «بعض النواب وجّهوا سؤالاً إلى الحكومة عن حقيقة التحركات الأميركية في الأراضي العراقية، وإدخال المعدات العسكرية إلى القواعد الأميركية في شمال وغرب البلاد». ويضيف أن «لجنة الأمن ناقشت ما يجري من تحركات، للوقوف على أهداف الولايات المتحدة، ولا سيما أن هناك قراراً برلمانياً يلزم الحكومة بخروج جميع القوات الأجنبية من أراضي العراق، وليس فقط الولايات المتحدة».
لوّحت الفصائل المسلحة باللجوء إلى الخيار العسكري لإخراج القوات الأميركية


ويلفت عضو لجنة الأمن والدفاع إلى أن «الوفد الذي أرسله رئيس الحكومة إلى واشنطن، كان من ضمن أولوياته مناقشة بقاء القوات الأميركية على أراضي العراق، وذلك بضغط من الفصائل المسلحة، والتي قد تتّخذ موقفاً معارضاً من السوداني إذا لم يتحرك لمعالجة الأمر». ويعتقد أن «التحركات الأخيرة هي مجرد رسالة بأن القوات الأميركية موجودة ولها تأثير، فضلاً عن توجّسها من تهديدات الفصائل باستهداف مصالحها في العراق، وهذا ما اعترفت به السفيرة الأميركية، آلينا رومانوسكي، بشكل ضمني، عندما كانت في مقابلة تلفزيونية قبل أيام».
من جانبه، يرى المتحدث باسم «حركة حقوق» المقربة من قوى «الإطار التنسيقي»، علي فضل الله، أن «التحشيد الأميركي على الحدود العراقية السورية، الهدف منه قطع الإمدادات على محور المقاومة باتجاه الأراضي السورية اللبنانية الفلسطينية»، معتبراً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الكيان الغاصب، وخلال العامين المنصرمين، بدأ يشهد حصاراً خانقاً من حزب الله اللبناني، وكذلك من الفصائل الفلسطينية».
ويعتقد فضل الله أنه «بعد هذه التحركات، سوف يتوسّع الاحتلال أكثر في عملياته العسكرية، والتي قد تشمل استهداف فصائل المقاومة والقوات الحليفة للجيش السوري، وكذلك استهداف الجيش السوري في المرحلة الثانية والعمل على فتح ثغرات على الحدود العراقية - السورية لإدخال المجاميع الإرهابية المتواجدة في المعسكرات التي تسيطر عليها قوات قسد المدعومة أميركياً». ويؤكد أن «لدينا مؤشرات عن وجود تعاون بين الكيان الغاصب والولايات المتحدة في استهدافهما للحشد الشعبي، وفي التحضير لهجوم شامل لإضعاف محور المقاومة بكامله».
وبخصوص الصمت الحكومي، يرى فضل الله أن «الحكومة العراقية قد تكون محرجة في ظل ظروف صعبة، وتريد أن توازن ما بين عدم استفزاز الجانب الأميركي، وبين إرضاء فصائل المقاومة التي تطالب بخروج القوات الأميركية». ويكمل أن «الحكومة عذرها أن التحركات على الحدود وليس في الداخل العراقي، وبالتالي لا تريد أن تصنع أزمة مع الجانب الأميركي، وهذا الأمر مرهون بالظروف. فقد يتغيّر الرأي الحكومي مع المتغيرات، وبالتالي هناك ترقب من قبل الحكومة لهذه التحركات من أجل عدم التفريط بأمن العراق».
أما الخبير الأمني، اللواء المتقاعد جليل البديري، فيعتقد أن «الولايات المتحدة لها تحركات ومخطّطات في المنطقة عموماً والعراق خصوصاً، وهذا ليس جديداً، خاصة وأن لها أعداء كالقوات الروسية والنظام السوري ومحور المقاومة المدعوم إيرانياً. ولذا، لم نستطع أن نحدّد سقفاً زمنياً لهذه التحركات التي تكثّفت أخيراً». ويقول البديري، في حديث إلى «الأخبار»، إن هناك «تفعيلاً للأزمة وإثارة في مواقع التواصل للموضوع، فقط لتحريك الخوف في نفوس الناس، من احتلال ثانٍ وتغيير للنظام وغيرهما من القصص الوهمية التي روجت لها مواقع موجهة من جهات مدعومة هدفها إشاعة الذعر».
ويشير البديري إلى أن أميركا لديها معلومات عن قيام بعض الفصائل المسلحة باستهداف قواتها المتواجدة على الحدود، بالإضافة إلى متابعتها للتهديدات التي نشرتها مواقع تابعة لمجموعات المقاومة كـ«أصحاب الكهف» وغيرها. ويتابع أن «حكومة بغداد علاقتها إيجابية مع واشنطن، ولذا لا مخاوف، بل بالعكس، هناك اتفاقات أمنية جديدة وزيارات متبادلة بين الجانبين، وربما حتى السوداني سيزور الولايات المتحدة للقاء جو بايدن. وكان يفترض أن تحصل الزيارة قبل أشهر».