العدوّ يحتمي بالإنكار: لماذا يكرهوننا؟!

  • 0
  • ض
  • ض
العدوّ يحتمي بالإنكار: لماذا يكرهوننا؟!
(أ ف ب )

وفقاً لرواية العدو الإسرائيلي، والتي يريد أن يقنع نفسه والآخرين بها، ثمة في الضفة الغربية سكّان فلسطينيون يتعايشون مع الاحتلال ويتماهون معه؛ لكن في المقابل، هناك من يأتي من خارج مناطقهم ليحرّضهم على من يحتلّها، مجتذباً إياهم بالمعونة المالية والتدريبات والتسليح وتخطيط العمليات والإشراف على تنفيذها. وفي موازاة تصدير تلك الرواية، تتفاعل رواية يمينية متطرّفة أخرى لدى المستوطنين، ولدى كل الذين يتماهون مع الصهيونية وإسرائيل في العالم، ترتبط بماهية السكان الفلسطينيين وهويتهم «المتخلّفة» التي تكره الآخر. وبحسب هذه السردية، فإن العرب الموجودين في الضفة يكرهون اليهود، ويريدون قتلهم وإبادتهم، وكل ما يحدث هو نتيجة «الكراهية والتخلّف والوحشية» لديهم، ما يعني أن المسألة هي مسألة هجوم فلسطيني دائم على اليهود، وردّ فعل وقائي أو استباقي من إسرائيل، للحؤول دون وقوع خسائر بشرية يهودية. في كلتا الروايتين، لا وجود لتعبيرات أخرى: أي لا احتلال ولا محتلّين، ولا قضية فلسطينية، ولا تحرّر ولا ظلم ولا تفرقة عنصرية، وهي الوجهة السائدة أيضاً لدى معظم الجمهور الإسرائيلي، وحتى لدى المؤسستَين العسكرية والأمنية، وإن مع تحفّظ نسبي يدفعهما إلى الحديث عما تسمّيانه «إدارة الصراع» مع الفلسطينيين، من دون السعي إلى إيجاد حلول سياسية وتسويات. في المقابل، يدفع الفلسطينيون بمسارهم الخاص، وهو مسار المقاومة وتكثيفها وتزخيمها. وفي هذا السياق، أتت عملية الدهس أمس، كمحطة في مسار ثابت بات من المتعذّر على العدو فرملته، بعدما فقد خياراته العملية في مواجهة المقاومين، وإن كان في الحكومة الإسرائيلية الحالية من يكابر، ويستمرّ في محاولة فرض إرادته على الفلسطينيين، ومحاولة سلب ما تبقّى من حق لهم. إزاء ذلك، من المفيد الإشارة إلى الآتي: أولاً، في الرواية الإسرائيلية مغالطات وأكاذيب ومحاولات لطمس الوقائع، إذ لا يمكن لأي جهة، مهما كانت، أن تحرّض شعباً على من يحتلّ بلاده، فالاحتلال كافٍ في ذاته ليحرّض السكان الأصليين ويدفعهم إلى مواجهته، خاصة أن نتيجته في الحالة الفلسطينية ليست السيطرة على الأرض والسكان والموارد كما هي حال المحتلين في أماكن وأزمان أخرى، بل تصل إلى حدود انتزاع حق الوجود من الفلسطينيين، وهو ما يُعمل عليه من دون توقّف، وصولاً اليوم إلى السعي لسلبهم ما تبقّى لهم من أرض في الضفة المحتلة، إذ يتطلّع العدو، في هذه المرحلة، الى ضمّ 60% من مساحة الضفة، وهي الأراضي المصنّفة (ج) وفقاً لاتفاقات «أوسلو»، حيث السيطرة المدنية والأمنية للاحتلال، من دون أي صلاحية للسلطة الفلسطينية التي لها صلاحيات ــــ وإن نسبية ــــ في الأماكن السكنية الفلسطينية الكبرى، المصنّفة (أ) و(ب). ويبلغ عدد المستوطنين في المنطقة (ج) نصف مليون مستوطن، متوزّعين على أكثر من 150 مستوطنة، بما في ذلك البؤر الاستيطانية التي تُسمى «غير قانونية»، والتي تغطّي 4.5% من الأراضي المحتلة في الضفة.

استفزاز الفلسطينيين بات مطلباً بذاته لدى حكومة العدوّ الفاشية

إلا أن ما «ينغّص» على الاستيطان، أن هناك أكثر من 200 ألف فلسطيني في (ج)، يعيشون في أكثر من 530 بلدة وقرية تقع جزئياً أو كلياً في تلك المنطقة، فيما ترى الحكومات الإسرائيلية، وخاصة الحكومة الحالية، أن هذه الأخيرة ضرورية للاستيطان والأمن اليهوديين، وهي أرض «يهودية سليبة» تجب استعادتها، استناداً إلى الروايات الصهيونية، الأمر الذي تشتغل عليه، بفظاظة، غالبية المركّبات الفاشية في الحكومة الحالية. ثانياً، حتى الأمس القريب، كان الاحتلال يسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها التي يتطلع إليها الحكام الفاشيّون الحاليون: الاستيلاء على الضفة الغربية، وطرد الفلسطينيين أو تجميعهم في أماكنهم السكنية بلا «انفلاش» لاحق. لكنّ الفارق بين الحالتَين، أنه سابقاً، كان المحتلّ يراعي أن لا يستفزّ الفلسطينيين، مؤجّلاً قدر الإمكان أي تخطيط استيطاني، يرى فيه تداعيات على الاحتلال نفسه، سواء من الفلسطينيين أو من خارج فلسطين. كما كان يتحيّن الفرص لقضم ما في الضفة من دون إفراط في القضم، لإدراكه حدود القدرة على فرض إرادته وسقوف إمكاناته وخياراته. أما حالياً، فهو لا يعتني كثيراً بردّ فعل الفلسطينيين، بل بات نتيجة فاشيّته وعنصريته والمزايدات البينية لدى قادة المستوطنين، يتعمّد استفزاز الفلسطينيين، والذي بات ذلك الوضع مطلباً بذاته، يوازي في أهمّيته أصل الخطط الاستيطانية؛ فـ«كلما كنت عنصرياً أكثر، تلقّيت مقبولية أكثر لدى المستوطنين». ثالثاً: في الحكومة الإسرائيلية الحالية مركّبات فاشية تستولي على عدد معتدّ به من الوزارات والمؤسسات التي تمكّنها من التعبير عن فاشيتها وعنصريتها ضد الفلسطينيين، سواء في الداخل الفلسطيني، أو في أراضي عام 1948، أو في بقية الأراضي المحتلة عام 1967، وتحديداً في الضفة، حيث الجهود الفاشية يسابق بعضُها بعضاً. والفلسطيني «العادي»، يرى ويعاين ويلمس كل ذلك يومياً، وعلى مدار الساعة، من القتل والاعتقال والفصل العنصري، إلى الحصار والتضييق ومنع الموارد، إلى تقطيع أوصال الضفة وتجريف الهوية والقضية والأرض؛ وها هنا بالضبط يكمن الباعث على مقاومة الاحتلال، وهو ما يتعامى عنه وينكره المحتلّون. لا بل إنه كلما تمادت إسرائيل في عدوانها، فستلاقي ردّ فعل مقاوماً أكبر، وهو ما يشهد عليه أن معظم الذين ينفّذون العمليات ضد الاحتلال، غير منضوين في تنظيمات وحركات مقاومة. هل هذا يعني أن لا دور لإيران و»حزب الله» وفصائل غزة في العمليات؟ قد تكون الإجابة «نعم ولكن»، أو «لا ولكن»، أو ما بينهما، إلا أن الأكيد أن دوراً كهذا يأتي في مرحلة ثانية، مبنيّة على نضوج الأولى، مع التذكير بأن المساعدة الخارجية، وإن كانت ضرورية لإيذاء المحتلّ أكثر، إلا أنها في ذاتها لا تكفي لإيجاد مقاومة، ما لم يكن الفلسطينيون أنفسهم يريدونها ومعنيّين بها، وما لم يكن الاحتلال بنفسه يعمل على تسريع هذا الاتجاه وتثقيله.

0 تعليق

التعليقات