القاهرة | في محاولة لسدّ عجز الموازنة المتزايد، تُسرّع الحكومة من وتيرة بيع الحصص في الشركات المملوكة لها، بما لا يستثني هذه المرّة شركات تابعة للقوات المسلحة. ويأتي هذا في وقت تبدو فيه السلطات عاجزةً عن الوفاء بالتعهّدات التي تقطعها بين الحين والآخر على نفسها؛ إذ إنها وبعدما حدّدت هدفاً لها جمْع 10 مليارات دولار سنوياً على مدار 4 سنوات من خلال طرح شركاتها للبيع، انخفض ذلك الرقم بشكل ملحوظ ليصل إلى 5 مليارات دولار فقط في غضون 9 أشهر، تمتدّ من تشرين الأول وحتى حزيران، وفقاً للنسخة المحدّثة من وثيقة «سياسة ملكية الدولة». وبحسب الوثيقة نفسها، تتطلّع الحكومة إلى جذب 40 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة بحلول عام 2026، وهو رقم وإن كان صعب التحقّق في ظل تعثّر تنفيذ عمليات البيع بسبب الخلاف على التقييم العادل لأسعار الحصص، إلّا أنه سيكون أقلّ من المستهدف مع قبول السلطات تنفيذ عدد من العمليات بالجنيه المصري الذي يُتداول رسمياً بسعر أقلّ بنحو 20% من سعره في السوق الموازية.وفي سياق السعي لتعظيم إيراداتها، زادت الحكومة عدد الشركات التي يفترض بيعها من 32 إلى 35، بالتوازي مع إدخال شركات رابحة للغاية على الخطّ، على غرار «الشرقية للدخان»، التي أُعلن، مساء أول من أمس، استحواذ شركة «غلوبال للاستثمار القابضة المحدودة» الإماراتية على 30% منها مقابل 625 مليون دولار، بالإضافة إلى توفير المشتري مبلغ 150 مليون دولار لشراء المواد التبغية اللازمة للتصنيع، في صفقة أحيطت بتساؤلات عدّة. على أن اللافت هو أن السلطات قرّرت، هذه المرّة، طرح اثنتَين من الشركات المملوكة بالكامل للقوات المسلحة، وهما «وطنية» و«صافي»، اللتان سينفّذ «صندوق مصر السيادي» عمليات البيع الخاصة بهما، بعدما تأخّر بيعهما مرات عدّة لأسباب مرتبطة بالأوراق الخاصة بهما وكيفية تسويتها قانونياً.
وتبدو صفقة «وطنية» هي الأقرب إلى التنفيذ، بعدما أبدت شركة «طاقة عربية» اهتماماً بشرائها، علماً أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة كان استحوذ سابقاً على 20% من أسهم «طاقة عربية» في صفقة بلغت قيمتها 1.6 مليار جنيه قبل أسابيع، وهو ما يرجّح تنفيذ عملية الاستحواذ، حال إتمامها، بالجنيه المصري وليس بالدولار. واللافت أن «طاقة عربية» ستموّل عملية الشراء من خلال قرض مصرفي تصل قيمته إلى 3 مليارات جنيه، في حين بدأت عملية إعادة هيكلة شركة «وطنية»، من خلال فصل 174 محطّة وقود من أصل 300 إلى كيان جديد لم تُكشف تفاصيله، بما يستبطن تحايلاً حكومياً يستهدف إبقاء الشركة تحت سيطرة الجيش ولكن بشكل غير مباشر. كذلك، تقوم أربع شركات أخرى بعملية الفحص النافي للجهالة على شركة «وطنية»، من بين ثمانٍ قدّمت عروضاً بالفعل خلال الفترة الماضية، على رأسها «بترول أبو ظبي»، و«بترول الإمارات الوطنية» و«بترومين السعودية». وفيما وصلت قيمة العروض المقدَّمة إلى ما بين 250 و280 مليون دولار، من المفترض أن تُعطى الأولوية للشركات الخليجية كونها ستسدّد بالدولار الوارد من الخارج، علماً أن عملية البيع يُفترض أن تتمّ في غضون الشهرين المقبلين، وفق التصريحات الرسمية.
منحت الحكومة نفسها مهلة إضافية لإتمام صفقات البيع حتى نهاية السنة المالية في شهر حزيران المقبل


أمّا شركة «صافي»، التابعة أيضاً للجيش والمعروضة للبيع، والتي شهدت إعادة هيكلة من خلال فصل مصانعها و75 منفذ بيع تابع لها عن باقي الأعمال، فمن المتوقّع إتمام عملية بيعها بنهاية العام الحالي، من دون أن يتّضح بعد ما الذي سيُباع منها بالضبط. وبينما تقول الحكومة إن هناك مستثمرَين مهتمَّين بتنفيذ عملية الاستحواذ، بات أكيداً أن شركة «أغذية» الإماراتية تراجع اهتمامها بالشركة بعد إعادة هيكلتها. وإلى جانب ما تَقدّم، ستشمل الطروحات الحكومية، بيع 70% من محطة كهرباء «سيمنز» البالغة قدرتها 4.8 غيغاوات، في صفقة تُراوح قيمتها بين 1.4 و1.9 مليار دولار، ويجري التفاوض بشأنها بشكل مباشر مع شركة الاستثمار البريطانية «أكتيس»، وشركة الطاقة الماليزية «إدرا باور هولدنغز». وعملية البيع هذه، والتي يُتوقّع اكتمالها بنهاية العام المالي في حزيران المقبل، مرهونة بموافقة المقرضين لبناء المحطة عليها، نظراً إلى أن عقود التمويل تتضمّن شرطاً يقضي بعدم إمكانية البيع إلا في حال سداد قرض الإنشاء بالكامل، أو الحصول على موافقة الجهات المموّلة، وهي كلّ من بنك «التنمية الألماني» و«دويتشه بنك» و«إتش إس بي سي».
في كلّ الأحوال، منحت الحكومة نفسها مهلة إضافية لإتمام صفقات البيع حتى نهاية السنة المالية، بما يتيح لها تحسين شروط التفاوض، وخاصة مع التحريك المرتقب لسعر الصرف مجدداً. والجدير ذكره، هنا، أن بعض الشركات المدرجة في البورصة ستُباع الأسهم فيها بشكل مباشر، ومن دون إعلان مسبق، لتجنّب إحداث مضاربات على الأسهم على غرار ما حدث لدى بيع الحكومة 10% من حصتها في «الشركة المصرية للاتصالات» قبل أسابيع.