الحسكة | شهدت جبهات القتال بين مقاتلي العشائر و«قوات سوريا الديموقراطية» في أرياف دير الزور، هدوءاً نسبياً، إثر نجاح «قسد» في السيطرة على معظم مساحة بلدة ذيبان، معقل شيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل، الذي قاد المقاتلين العشائريين في معاركهم طوال أكثر من عشرة أيام. ولا تكسر هدوءَ الجبهات سوى اشتباكات متقطّعة على أطراف بلدة الطيانة المجاورة لذيبان، والتي لا يزال المقاتلون العشائريون يحتفظون بالسيطرة عليها، مع أكثر من عشرين قرية وبلدة في الريف الشرقي، أهمّها الشعفة وغرانيج وهجين والباغوز. وأعلنت «قسد»، في بيان رسمي، «الانتهاء من تمشيط بلدة ذيبان بالكامل، مع انسحاب المسلّحين الدخلاء إلى مناطق سيطرة النظام السوري»، مضيفةً أنه «أثناء البحث والتفتيش داخل بلدة ذيبان، تمّ العثور على أعلام وأسلحة لمرتزقة داعش في البلدة»، وذلك في محاولة لتأكيد وجود دعم مزدوج للمقاتلين العشائريين من الحكومة السورية، ومن خلايا تنظيم «داعش» في المنطقة. من جهتها، توضح مصادر عشائرية، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أبناء العشائر انسحبوا من غالبية بلدة ذيبان، حرصاً على حياة الأطفال والنساء والمدنيين، بعد اشتداد القصف من مسلّحي قسد على البلدة وأهلها»، متوقّعةً أن «لا يطول الانسحاب من ذيبان في ظلّ إصرار مقاتلي العشائر على مواصلة المعركة، إلى حين الاستماع إلى مطالبهم». وتعتقد المصادر أنه «على رغم عدم وجود أيّ توازن في ميزان القوة مع قسد، إلّا أن الإصرار على القتال سيجبر التحالف الدولي على الاستماع إلى مظلومية أبناء العشائر، ووضع حدّاً لممارسات قسد ضدّهم». وكانتا وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان أصدرتا بياناً مشتركاً دعتا فيه «طرفَي القتال إلى وقف المعارك، والاحتكام إلى الحوار، لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، والتركيز على محاربة تنظيم داعش». إلّا أن هذه الدعوة جاءت متأخّرة، بعدما تمكّنت «قسد» من السيطرة على غالبية بلدة ذيبان، التي تعدّ خط الدفاع الأوّل عن الريف الشرقي، وأعلنت «فرار» شيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل، في اتّجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية، برفقة المسلّحين الذين استجلبهم من تلك المناطق الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات.
وعلى رغم مرور يومين على صدور البيان الأميركي، إلّا أن الحوار الذي دعت إليه واشنطن لم يتحقّق على الأرض، فيما لم تبرز أيّ مؤشّرات إلى تحضيرات أميركية لتنظيم لقاءات ثنائية بين الطرفين. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «الأناضول» عن الهفل مطالبته بـ«ضمانات أميركية للتهدئة مع قسد، وإعادة هيكلة مجلسها العسكري بحيث يقوده أبناء المنطقة». وأشارت الوكالة إلى أن شيخ العكيدات «فوّض منظّمة "مواطنون من أجل أميركا آمنة" نقل مطالب عشائر دير الزور إلى الإدارة الأميركية والكونغرس». لكن الهفل سارع إلى إصدار بيان صوتي نفى فيه «وجود أيّ جدية في الحوار من جانب التحالف»، داعياً «أبناء قبيلة العكيدات والعشائر الأخرى إلى مواصلة الصمود والقتال وعدم الرضوخ لعصابات قسد، وعدم السماح لها باحتلال الأراضي العربية». وأعلن أنه لا يزال متواجداً في مناطق سيطرة «قسد»، قائلاً «(إنني) أناشدكم من أرضنا المحرَّرة من قسد، ونحن مستمرّون في القتال، والحرب كرّ وفر، والنصر لنا، نحيا أو نموت بشرف وكرامة».
في المقابل، أبدى القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، في تصريحات إعلامية، استعداد «قسد» للحوار مع الشيخ إبراهيم الهفل، قائلاً إن «أبوابنا مفتوحة، ونقول لهم تعالوا لنتحاور ونتناقش». وإذ اعترف بـ«وجود مشكلات خدمية وأمنية» في دير الزور، فهو رأى أن «المشكلة الأساسية هي في التدخّلات الخارجية»، معتبراً أن «حكومة دمشق تحاول تحريض أبناء العشائر ضدّنا، وهي أرسلت مسلحين إلى مناطقنا». ووعد بأن «مجلس دير الزور سيعود بشكل أقوى، وسيتمّ عقد اجتماع موسع لكل الأطياف لتحقيق ذلك»، مضيفاً أنه «ستكون هناك إعادة هيكلة، وسنتعاون معهم للوصول إلى حلّ». وكان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أعلن، في أول موقف رسمي سوري من الأحداث، أن «الحكومة السورية تقف إلى جانب القبائل العربية في معركتها التي تخوضها ضدّ القوات الموالية للجيش الأميركي». ورأى المقداد، في تصريح إلى وكالة «سبوتنيك» الروسية، أن «الاحتلال الأميركي سينتهي بفضل ما يبذله الأهالي في دير الزور والحسكة جنباً إلى جنب مع الجيش السوري والحلفاء»، معتبراً أن «ما يحصل في الشرق السوري لا يحتاج إلى بيانات رسمية، لكون المواطنين السوريين هناك يخوضون نضالاً وطنياً باسم جميع السوريين، في معركتهم ضدّ الاحتلال والمسلحين الموالين له».