بغداد | فتح إلغاء المحكمة الاتحادية العراقية العليا «اتفاقية خور عبد الله» لتنظيم الملاحة بين العراق والكويت، بداعي عدم دستوريتها لإقرارها بالغالبية البسيطة في مجلس النواب وليس بغالبية الثلثين، كما ينص عليه الدستور في المادة 161، الباب أمام طعون نيابية في اتفاقيات أخرى أُقرّت بالطريقة نفسها، ومنها الاتفاقية الأمنية (الإطارية) مع الولايات المتحدة. وكان العراق والولايات المتحدة قد عقدا "اتفاقية الإطار الاستراتيجي" المعروفة باسم (SOFA)، عام 2008، في شأن تنظيم وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية، لكن في الخامس من كانون الثاني عام 2020، صوّت مجلس النواب العراقي بأغلبية الأصوات على إخراج القوات الأجنبية من العراق، على إثر اغتيال القائد قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس ورفاقهما في غارة على مطار بغداد. وتنص الاتفاقية الأمنية العراقية - الأميركية على انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من المدن والقرى بتاريخ لا يتعدّى شهر حزيران 2009، على أن تنسحب جميع القوات الأميركية بتاريخ لا يتعدّى 31 كانون الأول 2011، وتحلّ محلها القوات العراقية. والعلاقة بين الولايات المتحدة والعراق تحدّدها حالياً اتفاقيتان: الأولى "اتفاقية الإطار الاستراتيجي" التي تغطي تطبيع العلاقات بين الجانبين، في المجالات الاقتصادية والديبلوماسية والثقافية والأمنية. والثانية، الاتفاقية الأمنية التي تحدّد العلاقة الأمنية بين البلدين، وتنص على مدة الوجود الأميركي، وأنشطته، والانسحاب من العراق في نهاية المطاف. ومضى على توقيع الاتفاقية نحو 14 عاماً، إلا أن الجدل لا يزال قائماً حول الجدوى منها، وما إذا كانت في مصلحة بغداد، أو أنها سمحت لواشنطن بالاستمرار في التدخل في الشأن العراقي.
وفي هذا الصدد، يرى عضو اللجنة القانونية النيابية في البرلمان العراقي، رائد المالكي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن عدم دستورية قانون التصديق على اتفاقية الملاحة في خور عبد الله مع الكويت، سيفتح الباب للطعن بعدد من الاتفاقيات التي وقّعها العراق قبل عام 2015 وقت صدور قانون تنظيم عقد المعاهدات (رقم 35 لسنة 2015) وفي مقدمتها اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي صوّت عليها مجلس النواب سنة 2008، ولم تحصل على أصوات ثلثَي الأعضاء استناداً إلى نص المادة (61/ رابعاً) من الدستور التي اشترطها المبدأ الجديد الذي أقرّته المحكمة في ما يتعلق بالتصويت على الاتفاقيات قبل سنة 2015». ويقول إن «هذه الاتفاقية في حال الطعن بها في المحكمة الاتحادية، يمكن الاستناد إلى نفس الحجّة من أجل إبطالها، لكن إلى الآن لم يقدم طعن بشأنها».
«اتفاقية الإطار الاستراتيجي» لم تحصل على أصوات ثلثَي النواب استناداً إلى نصّ المادة 61 من الدستور


بدوره، يوضح عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، حسين العامري، أن «البرلمان صوّت على إنهاء الوجود الأجنبي على الأراضي العراقية، بما فيها القوات القتالية الأميركية، لكن حكومة (مصطفى) الكاظمي السابقة تعاقدت مع قوات التحالف بجميع أصنافها بأن تكون مهمتها استشارية وتدريبية للقوات العراقية». ويشدّد، لـ«الأخبار»، على أن «موقف مجلس النواب يرفض رفضاً قاطعاً الوجود الأميركي في البلاد. وبالنسبة إلينا، لدينا خيارات كثيرة لدعم قرار الطعن في المحكمة الاتحادية للاتفاقيات المعقودة مع واشنطن، بما فيها الاتفاقية الأمنية التي وقّعها العراق سابقاً». ويتابع أن «العراق ليس بحاجة إلى قوات قتالية، وهذا ما صرّحت به الحكومة في أكثر من مرة، وينبغي إعادة النظر بالاتفاقيات الدولية التي جاءت في وقت كان الوضع فيه غير مستقرّ، وهو عكس ما تشهده البلاد حالياً».
في المقابل، تتوقّع عضو اللجنة القانونية، يدكار محمود، أنه «في حال الذهاب إلى المحكمة الاتحادية للطعن بالاتفاقيات الدولية، سيؤثر ذلك بطبيعة الحال على علاقات العراق مع تلك البلدان وسمعته أمام المجتمع الدولي»، مضيفة لـ«الأخبار» إن «إلغاء الاتفاقيات والطعن فيها سيسبّبان مشاكل كثيرة، ولها تداعيات كبيرة بالنسبة إلى العراق. ولذلك يجب علينا أن نتعامل بتوازن وحكمة مع جميع القضايا، بما فيها الاتفاقيات الدولية».
من جهته، يحذّر الباحث السياسي العراقي، نبيل المرسومي، في منشور، من أنه «في حال الطعن باتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، فمن المتوقع ارتفاع قيمة الـ 100 دولار إلى 300 ألف دينار عراقي أو أكثر». أما المحلّل السياسي، كاظم البديري، فيتفق مع المرسومي في قضية «تصعيد الولايات المتحدة ضد استقرار العراق اقتصادياً وأمنياً، في حال إلغاء الاتفاقيات معها، وخاصة الاتفاقية الإطارية التي تضمن الوجود الأميركي في البلاد لأغراض مختلفة. فلذا من الصعب التوجه إلى المحكمة الاتحادية». ويقول، في تصريح إلى «الأخبار» إن «طبيعة العلاقات والمواقف، بين بغداد وواشنطن اختلفت تماماً، فهناك ارتباط إيجابي مع (رئيس الحكومة محمد شياع) السوداني، وهذا ما لاحظناه من خلال لقاءاته مع السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي. وكذلك السوداني ينوي زيارة الولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة القادمة، لعقد اتفاقيات جديدة». ويرجّح البديري «عدم اللجوء إلى المحكمة لتقديم الطعن بالاتفاقية. فمسألة رفض الوجود الأميركي كانت متعلّقة بالفصائل المسلحة وممثليها في البرلمان، لكن لم نرَهم متفاعلين مع قضية الطعن، لأن ذلك يضرّ بمصلحتهم بعدما أصبحت الحكومة بيد الإطار التنسيقي وتبدّلت مواقفه تجاه الملف الأميركي».