القاهرة | تسرّع الحكومة المصرية وتيرة عمليات بيع أصول الدولة، مع المحافظة على سعرَين لصرف عملتها الوطنية أمام الدولار، من أجل تجنّب انخفاض قيمة الجنيه للمرة الرابعة في غضون أقل من عامين، قبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الشتاء المقبل. وفيما السعر الأول للدولار في البنوك يساوي نحو 31 جنيهاً، ويراوح الثاني في السوق الموازية بين 39 و40 جنيهاً، توقّفت الحكومة عن محاربة السوق الموازية عبر الحملات الأمنية، في ظلّ عجز البنوك عن توفير العملة الصعبة وفرضها قيوداً على السحب عبر البطاقات البنكية المختلفة. وفي السياق، نشطت التحرّكات الحكومية في عملية الطروحات التي تتضمّن بيع حصص من أصولها الرابحة لشركات خليجية في المقام الأول، مقابل توفير سريع للعملة الصعبة التي سيجري استخدامها في سداد الديون الخارجية المُقدّرة بنحو 6.8 مليارات دولار حتى نهاية العام الحالي، من بينها دين حكومي بـ2.8 مليار دولار، و2.7 مليار على البنك المركزي، إلى جانب ودائع في «المركزي» تقترب قيمتها من مليار دولار، ونحو 970 مليون دولار هي قيمة قروض على البنوك المصرية، ونحو 470 مليون دولار يفترض سدادها من القطاعات الأخرى.
وفي طروحاتها للشركات الرابحة، تخسر الحكومة نسبة من الأرباح تعادل ما جرى بيعه في كلّ طرح، وهو ما يكشف عن تنازلات تقدّمها للمشترين من أجل تعجيل إتمام عملية البيع وإدخال العملة الصعبة. والجدير ذكره، هنا، أن المبادرتين اللتين أطلقتهما الحكومة، وهما شهادات بالدولار ذات العائد المرتفع، إلى جانب مبادرة تسوية وضع الشباب المهاجرين بشأن الخدمة الإجبارية مقابل دفع مبلغ 5 آلاف دولار، لم تنجحا في جذب أموال المصريين في الخارج، فيما لا تزال المفاوضات مع «صندوق الاستثمارات العامة السعودي» مجمّدة بشكل غير رسمي لأسباب سياسية، وهو ما سيعيق تطلع الحكومة إلى جمع 5 مليارات دولار قبل نهاية العام المالي الحالي في 30 حزيران المقبل.
في هذا الوقت، اقترب جهاز «قطر للاستثمار» من الاستحواذ على حصة في شركة «فودافون مصر» بنسبة تصل إلى 45% مملوكة للشركة «المصرية للاتصالات» التي تمتلك الحكومة غالبية أسهمها في البورصة المصرية، وسبق أن جرى بيع جزء منها بشكل مفاجئ خلال الصيف. وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع تنفيذ صفقة بشأن الحصة المتبقّية من «فودافون» (55%) المملوكة لشركة «فوداكوم» الجنوب أفريقية، في ظل الرغبة القطرية في الاستحواذ الكامل على الشركة.
كذلك، تتفاوض الحكومة مع شركة «الاستثمار البريطانية» (أكتيس) من أجل بيع مزرعة «رياح جبل الزيت»، في صفقة ستصل قيمتها إلى أكثر من نصف مليار دولار، ويتوقع أن يجري الإعلان عنها خلال الربع الحالي من هذا العام، مع إدخال الأموال الخاصة بها مباشرة إلى الدولة. وكان طرح المحطة جذب، بالفعل، في الأيام الماضية، شركات أخرى تقدّمت بعروض للاستحواذ عليها بلغت حوالي 400 مليون دولار للعرض، لكنّ قيمة العروض لم تُرضِ الحكومة التي طلبت مضاعفة المبلغ.
على خط موازٍ، وخلافاً للمتفق عليه مع «صندوق النقد الدولي» بشأن تنفيذ عمليات خروج الدولة والجيش من عدّة قطاعات، استحوذ جهاز «مشروعات الخدمة الوطنية» التابع لـ«القوات المسلّحة»، في خطوة مفاجئة، على حصة أقلية في مجموعة «بشاي للصلب» بإجمالي أسهم وصلت إلى نحو 24%، في صفقة بلغت قيمتها 10 مليارات جنيه. ومن خلال هذه الخطوة، استهدف الجيش حجز حصة له في ملكية أكبر شركة خاصة منتِجة للصلب في مصر والشرق الأوسط، بإنتاج سنوي يبلغ نحو 4 ملايين طن. ويتساوق تنفيذ هذه الصفقة مع توسّع «الجهاز» في الاستثمار في مشاريع الطاقة والصلب، والذي بدأه في السنوات الأخيرة، بعدما نفّذ في السابق عملية استحواذ على شركة «السويس للصلب»، وشركة «حديد المصريين»، ليكون الجيش هو المستثمر الأكبر في قطاع الحديد والصلب في البلاد، على الرغم من المشكلات التي تواجهها شركات الصلب نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص المواد الخام مع تباطؤ الطلب.
واللافت أن التعجيل في وتيرة عمليات البيع، والتي شملت شركات أخرى جزء منها يتفاوض عبر «صندوق مصر السيادي»، يتزامن مع غياب أي حديث عن الحوار مع بعثة «صندوق النقد» التي يفترض أن تصل إلى البلاد الشهر الجاري لإجراء المراجعتين الثانية والثالثة للقرض الذي حصلت عليه مصر في الخريف الماضي ولم تصرف منه إلا الدفعة الأولى، وسط تعويل الحكومة على إتمام المراجعات وصرف الشرائح في أقرب وقت.