تجرّ جدتي أم أحمد نفسها، وقد بلغت الـ 82 عاماً، فقد أدّى القصف إلى أن يكون بعض بيتها ركاماً. وخلف جدتي يمشي أولادي الصغار، يدوسون على الحجارة والزجاج.كنت أجرّب مساعدتها، وخلال ذلك توقفت، ونظرت إلى جدران المنزل، وقالت: خلال الاجتياح الإسرائيلي لم نعش الرعب الذي نعيشه الآن «قذايف بتنزل بكل مكان».
سقطت قذيفة على المنزل، نجونا جميعاً، حالت بين زوجي والموت طاولة خشبية. عندما أنظر إلى المنزل أتعجب، كيف خرجنا أحياء، ثوان قليلة هي التي فصلتنا عن الموت، القذيفة التي بدّلت ضحكات أولادي وأطفال الجوار إلى صراخ وخوف، كادت أن تكون الصوت الأخير الذي نسمعه. لكننا نجونا.
كنت مع جارات لي في «أرض الدار» عندما سقطت القذيفة عصر يوم الأحد الماضي، اهتزّ البيت بقوة، تساقطت أجزاء بعض الجدران. بعد أن استوعبت هول ما حصل، واطمأننت أن الجميع بخير، هرعت إلى داخل المنزل لأطمئن على زوجي، فوجدته بين الركام، وفوق رأسه الطاولة الخشبية التي أنقذه وجودها، فحمته من الحجارة والزجاج الذي تحطّم. ساعدته على الخروج من تحت الطاولة، أصيب بخدوش، وفقد السمع مؤقتاً بسبب ضغط القذيفة، وكان التراب يغطي جسده، والدم يسيل من رأسه، وكان ينطق بالشهادتين. مرّ ربع ساعة علينا نحن الموجودين في المنزل، لنستوعب ما حصل، لندرك أننا فعلاً ما زلنا أحياء.
لقد عشنا الجولة الماضية من المعركة التي لم تكن بهذه الحدة، كل شيء هذه المرة مختلف، هناك أسلحة أقوى تُستخدم، على الأقل هذا ما نظنّه من الأصوات الأقوى التي نسمعها، ويسمعها الأطفال، ويشتد صراخهم حين تئزّ «الدوشكا» ليلَ نهارَ، وتحديداً في الليل الذي تحوّل إلى كابوس يعيشه الأطفال في كل لحظة، سواء كانت هناك أصوات قصف أو لم تكن. فما إن يحل الظلام حتى يبدأ بعضهم بالبكاء أو البكاء الهستيري والصراخ خوفاً... بعضهم يتبوّل لا إرادياً، وبعضهم بات يخشى من أي صوت يسمعه، وهذا الحال يعيشه أولادي، وأولاد الجيران من حولي.
هذه الشهادة، شهادة على موت لم يحدث، لكنه اتّخذ شكلاً آخر، قلت بعض تفاصيله.