صنعاء | تحوّل يوم 18 أيلول 2016، تاريخ نقل وظائف البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، إلى مناسبة سنوية يستعيد فيها السواد الأعظم من اليمنيين الذين فقدوا أعمالهم ورواتبهم، ذكرى القرار المشؤوم الذي عزّز الانقسام المالي والنقدي في البلاد، وتسبّب بتفاقم الأوضاع الإنسانية جرّاء تفاوت سعر صرف العملة ما بين مناطقها، وأصاب معظم القطاعات الاقتصادية بالركود، وكان سبباً لخروج القنوات الإيرادية التابعة للبنك المركزي في المحافظات الجنوبية والشرقية ومحافظتَي مأرب وتعز عن سيطرة السلطات المالية الموالية لـ«التحالف».وخلصت ندوة نظّمها مركز دراسات تابع لجامعة عدن، الشهر الماضي، إلى أن قرار النقل «كان أميركياً، واتُّخذ على رغم اعتراض عدد كبير من رجال الاقتصاد في اليمن»، وأن «تداعياته الكارثية كانت متوقّعة في ظلّ فشل الحكومة الموالية للتحالف في فرض سيطرتها على مدى ثماني سنوات على المصادر الإيرادية للبنك في المحافظات الجنوبية، التي كانت تغذّي الموازنة العامة للدولة بنسبة 70% قبل الحرب». وأشار المشاركون في الندوة إلى أن بنك عدن، المعترَف به دولياً، فشل في تفعيل وظائف «المركزي»، ولم يستطع إعادة الدورة النقدية إلى تلك المناطق، فيما تعثّرت كل المحاولات لتفعيل أدوات السياسة النقدية، إذ على رغم إعلان البنك رفع معدلات الفائدة في فترات متعدّدة خلال السنوات الماضية، إلا أن معدل الإقبال على شراء أذون الخزانة أو السندات الحكومية لديه عكس انعدام ثقة رأس المال الوطني به، وعزوف البنوك الإسلامية والتجارية عن الاكتتاب فيه نتيجة فشله في وقف انهيار سعر صرف العملة، وارتفاع معدل الإصدار النقدي، والذي تجاوز، وفق مصادر اقتصادية مطّلعة في عدن، 7 تريليونات ريال، 85% منها خارج سيطرة عمليات «المركزي» والبنوك الأخرى، و15% فقط تحت السيطرة. ووفق تقارير رسمية، فإن النقد المتداول ارتفع، أواخر العام الماضي، إلى 7.5 تريليونات ريال من العملة المطبوعة في نطاق 35% من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الموالية لـ«التحالف»، بينما لم يتجاوز احتياج السوق الذي يقع 65% منه تحت سيطرة صنعاء،  1.4 تريليون ريال كسيولة.
وفي ظلّ الحَراك الإقليمي والدولي الهادف إلى إنهاء أزمة المرتّبات، أعلن محافظ بنك عدن المركزي، أحمد غالب، أن إيرادات المحافظات الجنوبية والشرقية لا تكفي لصرف رواتب 40% من إجمالي موظفي ومقاتلي حكومة عدن، على رغم أن آخر تقرير مصرفي صادر عن البنك، مطلع العام الجاري، أكد أن إيرادات حكومة عدن بلغت العام الماضي أكثر من تريليونَي ريال. وبعدما لم يكن عدد موظفيها يتجاوز نصف مليون موظف أواخر عام 2016، إلا أن تلك الحكومة ضمّت جيشاً من الموظفين الجدد، في وقت كانت فيه مؤسّسات الدولة تعاني أصلاً، منذ ما قبل الحرب، من فائض في القوى البشرية، وكان التضخّم الوظيفي أهمّ تحدّ للموازنة العامة للدولة في حينه. ويقول مصدر اقتصادي في عدن، لـ«الأخبار»، إن القطاع المصرفي في مختلف المحافظات الجنوبية والشرقية لا يخضع لإشراف المصرف المركزي، وإن الكتلة النقدية الضخمة الخارجة عن سيطرة البنك تُستخدم في المضاربة على العملة بعلم «المركزي» الذي طبَع كمّيات تفوق الاحتياج من العملة، وفقد السيطرة على نحو 90% منها في السوق. وكان محافظ «مركزي عدن» قد أوضح، في مقابلة تلفزيونية الشهر الفائت، أن الأوراق النقدية التي تُطبع في روسيا تُصرف من ميناء الحاويات، وليس من خزائن البنك، وانتقد الإصدار المفرط للعملة في عهد سابقيه من المحافظين، علماً أنه على مدى ثماني سنوات، تمّ تغيير أربعة محافظين، فشلوا جميعهم في وقف انهيار سعر الصرف. ويرى المصدر أن المشاكل الفنية والأمنية في عدن سوف تسرّع في عودة وظائف «المركزي» إلى صنعاء.
واجهت صنعاء قرار نقل البنك بمنع التداول بالعملة المطبوعة في عدن


وفي الوقت الذي تصاعد فيه الحديث عن توحيد العملة اليمنية وإنهاء الانقسام المالي خلال الفترة المقبلة، يرى خبراء اقتصاد في صنعاء أن تداعيات العبث بوظائف «المركزي» من قِبل الحكومة الموالية لـ«التحالف»، والتي سحبت حتى الآن على المكشوف نحو 4.7 تريليونات ريال، تحتاج إلى فترة انتقالية، فيما يمكن تجاوزها على مراحل، وخاصة ما يتعلّق منها بقنوات البنك الإيرادية التي تقاسمتها الميليشيات المسلّحة. وقالت مصادر ديبلوماسية مطّلعة لـ«الأخبار»، إن هناك عدّة مقترحات سبق أن جرت مناقشتها العام الماضي، خلال جولات المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة في عمّان، وأُعيد الحديث عنها أخيراً، وهي تفترض سحب كلّ الفئات التالفة من أوراق العملة الوطنية من التداول، وسحب فئتَي الألف والخمسمئة ريال بطبعتهما الجديدة، مع الإبقاء على فئة الألف ريال من الطبعة ما قبل الأخيرة، وطباعة أوراق أخرى من فئات 50 ريالاً و100ريال و200 ريال بالتوافق، وبالتزامن مع إعادة إنتاج النفط الذي يعدّ أحد أهمّ مصادر الدخل الوطني، وهو ما سيكون له أثر إيجابي على سعر صرف العملة.
والجدير ذكره، هنا، أن قرار نقل «المركزي»، والذي استهدف تعطيلّ كلّ مؤسّسات الدولة في صنعاء، وإيصال الأخيرة إلى العجز الكلّي عن استيراد أدنى احتياجاتها، قابلته الأخيرة بقرار منع التداول بالعملة المطبوعة الصادر مطلع العام 2020، والذي تمكّنت من خلاله من وقف انهيار سعر صرف العملة، مثبّتةً إياه عند ما يقلّ عن السعر المتداول في عدن بضعفين، وهذا ما أرجعه محافظ بنك عدن، أحمد غالب، إلى وحدة قرار صنعاء، وتعدّد مصادر القرار في الحكومة المنافسة لها. وكان محافظ البنك المركزي السابق، محمد بن همام، قد حذّر، قبيل إقالته في أيلول 2016، من تداعيات نقل البنك وتشتيت إيراداته، والتي كان من بينها توقف صرف رواتب 1.2 مليون نسمة، ووصول مديونية المرتّبات إلى أكثر من تريليونَي ريال. كما أدى القرار إلى ارتفاع الدين العام الخارجي من 6.7 مليارات دولار إلى نحو 10 مليارات دولار، وارتفاع معدل الدين العام الداخلي من 4.5 تريليونات ريال إلى نحو الضعف، وتصاعد معدّلات العجز التجاري للبلاد .