رام الله | منيت إسرائيل بفشل ذريع في عملية «بيت وحديقة»، التي شنتها على مدار 50 ساعة في مخيم جنين مطلع تموز بهدف اجتثاث المقاومة وتدمير مقدراتها وإمكاناتها، وكانت الأوسع التي تشنّها منذ الانتفاضة الثانية، الأمر الذي دفعها إلى التفكير في خيارات أخرى، منها تقوية السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية والضغط عليها للانتشار في شمال الضفة الغربية، وعلى وجه التحديد في جنين للقيام بتلك المهمة.لم تتأخر السلطة حينها في الدفع بالعديد من عناصر الأجهزة الأمنية الى مدينة جنين، بعد انسحاب جيش الاحتلال، تحت ذريعة نية الرئيس، محمود عباس، زيارة المخيم. وفي ظل ذلك الوجود الكثيف للعناصر الأمنية، ازدادت وتيرة عمليات الاعتقالات والملاحقات بحق عناصر المقاومة في المحافظة برمتها.
المقاومة في مخيم جنين على وجه الخصوص ليست في وارد الاصطدام بالأجهزة الأمنية الفلسطينية، وخاصة في ظل تأهب الاحتلال وتحيّنه الفرصة للانقضاض عليها في أي وقت كان بهدف تدميرها. وهي تتعرّض لملاحقة مستمرّة من قبل الأجهزة الأمنية، وصلت إلى حد وقوع اشتباكات بين المقاومين والأجهزة.
وتشن الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات بحق عناصر المقاومة من كل الأحزاب والفصائل وتطاول مقاتلين من «كتائب شهداء الأقصى»، لكنها تتركز على عناصر «الجهاد الإسلامي»، وكان آخرهم اختطاف العضو في «كتيبة جنين»، أحمد الجدعون، الملقب بـ«الصاروخ»، ومصطفى أبو الرب (28 عاماً)، وهو نجل الشهيد حمزة أبو الرب القائد في «سرايا القدس»، الجناح العسكري للحركة، من بلدة قباطية في جنين. 
وشنت الأجهزة الأمنية حملات اعتقالات واسعة ضد عناصر الجهاد، كان أبرزها حملة منتصف تموز الماضي وحملة أخرى في منتصف أيلول الجاري، إضافة الى اعتقالات هنا وهناك بين حين وآخر، الأمر الذي دفع فصائل المقاومة في مخيم جنين إلى المطالبة خلال مؤتمر صحافي بوقف الاعتقال السياسي الذي طاول مطاردين وأسرى محررين، وبـ«رفع الغطاء عن عناصر الأجهزة الأمنية الذين يشاركون في الاعتقالات»، مشيرة إلى إن الاعتقالات السياسية للمطاردين والمقاومين تكثفت بعد معركة «بأس جنين» في تموز، وطاولت مقاتلين من «كتيبة جنين» و«كتائب الأقصى».
واعتبرت الفصائل أن «هذه الأفعال لا تخدم سوى الاحتلال ومستوطنيه»، وأن الاعتقالات السياسية «لا تمثّل المقاومين الشرفاء من حركة فتح وكتائب شهداء الأقصى»، الذين تعرّض عدد منهم للاعتقال أيضاً، داعية عناصر الأجهزة الأمنية، في جنين وباقي مناطق الضفة، إلى أن «يتوقفوا عن المشاركة في تلك الاعتقالات السياسية».
تدرك السلطة حالة المزاج الشعبي المؤيد للمقاومة، والرافض لها، وتعلم أن خطاباً مثل هذا من فصائل المقاومة جميعها يقيم عليها الحجة والبرهان، وسيزيد من كره الشارع الفلسطيني لها، ويكشف دورها في ملاحقة المقاومين، الذي أنيط بها بموجب تفاهمات قمّتَي شرم الشيخ والعقبة، لكنها مع ذلك، قررت، كما يبدو، الانتقال من مرحلة العمل الأمني والاستخباري في الملاحقة والاعتقال، إلى مرحلة التحريض التي شُنّت بأدوات مختلفة ضد «الجهاد» و«كتيبة جنين»، مستخدمة لغة تحريضية طائفية ومذهبية، من خلال اتهام إيران «بالوقوف خلفها ودعمها بالمال والسلاح وتحريضها»، محذّرة من «اندلاع حرب أهلية فلسطينية، واستحضار تجربة ما جرى في سوريا وليبيا من تدمير»، في محاولة لترهيب الشارع الفلسطيني.
تحريض ضد «الجهاد» و«كتيبة جنين» باتهام إيران بالوقوف خلفهما ودعمهما بالمال والسلاح


واعتمدت الحملة على مقطع مصوّر لمجموعة مسلحين قالوا إنهم من «كتائب شهداء الأقصى»، هاجموا فيها «الأجندة الخيانية والمشبوهة» الموجودة في الشارع، في تلميح الى «كتيبة جنين» و«سرايا القدس»، التي قالوا إنها تتلقى أوامرها من «ضباط الاحتلال ومن مجوس العصر في إيران الفارسية، بهدف القضاء على البندقية السنّية الوحيدة في العالم العربي وإذكاء نار الفتنة والطائفية وضرب الأمن والأمان وإغراق المنطقة بالدم والفوضى».
وليس صعباً تلمّس وقوف أجهزة أمنية خلف ذلك الخطاب الطائفي والمقطع المصوّر، والذي رافقه تحذير من إطلاق النار على المؤسسات الأمنية ودورياتها وعناصرها، وإعلان الاستنفار الجدي والحقيقي، والتلويح والاستعداد بشن «حرب فلسطين المقدسة».
لكن الهجوم الأوضح بمسمّياته ومساره جاء من خلال صحيفة «الحياة الجديدة» التابعة للسلطة، عبر مقال افتتاحي لرئيس التحرير محمود أبو الهيجا، أحد كوادر حركة فتح، والذي هدّد عناصر «كتيبة جنين» بالإنهاء خلال 24 ساعة، قائلاً: «على ما يبدو أن مسلحي الجهاد الإسلاموي، هنا في الضفة الفلسطينية المحتلة، غير مدركين، ولعلّهم غير مصدقّين أن قوات الأمن الوطني بوسعها أن تغلق ملفاتهم في سعيها لوضع حد لفلتانهم وتعدّيهم على مقارّها، بأقلّ من 24 ساعة».
ونزع أبو الهيجا صفة المقاومة عن «الجهاد» قائلاً: «ليس ثمة مقاومة في كل ما تفعله ميليشيا الجهاد الإسلاموي، واستعراضاتها الشعبوية هي استعراضات لاستجلاب المزيد من دولارات التمويل التآمري».
وتتّخذ السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية من حادثة إطلاق مسلّحين مجهولين النار على مركبة للضابطة الجمركية في جنين وإصابة 4 عناصر في 18 أيلول، ذريعة لهجمتها على «الجهاد» من دون معرفة من الذين يقفون خلف تلك الحادثة. لكن الحادثة التي تزامنت مع مؤتمر فصائل المقاومة في مخيم جنين كانت فرصة جيدة لإحداث هذا الربط وشن الهجمة، على رغم تأكيد «الجهاد الإسلامي» في أكثر من مناسبة أن مقاتليها لم ولن يطلقوا الرصاص على مقارّ الأجهزة الأمنية وعناصرها.
وعلى نقيض الصورة التي تحاول رسمها في جنين، تبدو السلطة غير قلقة بالصورة ذاتها ممّا يجري منذ أيام في مدينة الخليل، ومن حوادث انفلات أمني وصلت الى محاولات تنفيذ عمليات اغتيال وإحراق مركبات وإطلاق النار على عيادات ومقارّ رسمية لبلدية الخليل.
 وتعيش المدينة منذ أيام على وقع حوادث أمنية خطيرة جداً، قد تنذر بالأسوأ، بدأت بإطلاق النار على مركبة نائبة رئيس بلدية الخليل ،أسماء الشرباتي، وعيادة زوجها، ومقارّ لبلدية الخليل وممتلكاتها، تبعها اختطاف عضو المجلس البلدي عبد الحكيم فراح وإطلاق النار عليه مباشرة وإحراق مركبته، بالتزامن مع استقالة أعضاء «فتح» في المجلس البلدي، الذين أكدوا أنهم لن يعودوا إلى المجلس الا بتنحّي رئيسه تيسير أبو اسنينة وهو الفتحاوي الذي تحدّى قائمة الحركة الرسمية خلال الانتخابات وفاز عليها.
وسبق هذه الحوادث تعرض عدة مراكز للشرطة في مدينة الخليل لإطلاق نار كثيف من قبل مسلحين، عقب نشر الأجهزة الأمنية صوراً مسيئة ومهينة لشاب من عائلة الجعبري بعد اعتقاله، الأمر الذي دفع العائلة (وهي من أكبر عائلات الخليل) إلى إصدار بيان هددت فيه بإطلاق النار على أي عنصر من الأجهزة الأمنية يسير في شوارع الخليل، قبل أن تصدر المؤسسة الأمنية بيان اعتذار للعائلة لاحتواء الموقف.
وبات ملاحظاً أنه عقب ارتفاع وتيرة العمل المقاوم في الخليل وتنفيذ عمليات فدائية ضد الاحتلال، وهو الكابوس الذي طالما خشيت منه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ازدادت محاولات خلق حوادث وانفلات أمني في المدينة، في مخطط يبدو مدروساً جيداً لخلط الحابل بالنابل وتجريم أي عمل مقاوم. وهذه الحوادث لم يمنعها اجتماع وزير الداخلية، زياد هب الريح، في الخليل مع مديري الأجهزة الأمنية مساء الاثنين، حيث تعرضت محالّ تجارية عدّة في مناطق متفرقة من المدينة لإطلاق نار.