الخرطوم | بعد تراشق كلامي بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» بشأن تشكيل حكومتَين متوازيتَين، واحدة في الخرطوم وأخرى في بورتسودان، أصدر رئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، قراراً منح بموجبه القادة العسكريين في «المجلس» مسؤولية الإشراف على الوزارات والهيئات الحكومية، مستبعداً اثنين من أعضاء المجلس من أيّ مهامّ سيادية أو تنفيذية. قوات «الدعم السريع»، بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، سارعت إلى وصف القرار بـ«غير الشرعي»، ورأت أنه يكشف عن «نية مسبقة لتشكيل حكومة جديدة» من قبل البرهان، فيما عدّته أحزاب قوى «الحرية والتغيير» المعارِضة تكريساً لتوسيع صلاحيات البرهان وزيادة إحكام سلطته على مؤسسات الدولة المدنية.وفي تفاصيل القرار، فقد تسرّب خطاب ممهور بتوقيع الأمين العام لـ«السيادة»، محمد الغالي، وموجّه إلى الوزراء وأعضاء المجلس، حاملاً توجيهات البرهان بإشراف هؤلاء الأعضاء على الوزارات الاتحادية والهيئات الحكومية. وبحسب الخطاب، فوّض البرهان مسؤولية الإشراف على وزارات الطاقة، والتربية والتعليم، والتنمية الاجتماعية، والتعليم العالي، والصحة والإعلام والشباب والرياضة والشؤون الدينية، إلى نائبه مالك عقار، بينما أسند مسؤولية الإشراف على وزارات: الخارجية، وشؤون مجلس الوزراء، والداخلية، والحكم الاتحادي، والمعادن، والعدل، والري والموارد المائية، إلى شمس الكباشي، وكلّف ياسر العطا بالإشراف على وزارات الدفاع والمالية، وبنك السودان والنيابة العامة والمراجعة. وبحسب القرار نفسه، يتولى إبراهيم جابر الإشراف على وزارات القطاع الاقتصادي، والتي تضم الثروة الحيوانية، والزراعة، والتجارة، والصناعة، والاستثمار، والاتصالات والتنمية العمرانية والنقل. إلا أن القرار لم يمنح عضوَي المجلس، رئيس «حركة تحرير السودان ـ المجلس الانتقالي»، الهادي إدريس، وزعيم «تجمع قوى تحرير السودان»، الطاهر حجر، اللذين تولّيا مناصبهما بموجب اتفاق «جوبا للسلام» الموقّع في عام 2020، أيّ مهام رسمية.
ورداً على القرار، يقول المستشار الإعلامي، لقائد قوات «الدعم السريع»، أحمد عابدين، إنه «غير شرعي ويمثّل توصية من صقور الحرب وتوجيه ما تبقى من إمكانات السودان لمصلحة أجندة استمرار الحرب»، لافتاً إلى أنه «لا توجد سلطة يمكنها إصدار قرارات مماثلة»، مستدركاً أن القرار «امتدادٌ لقرارات سابقة فشلت وعمّقت الأزمة، واستكمالٌ لنية البرهان السابقة في تشكيل الحكومة بعدما وجدت رفضاً داخلياً وخارجياً». ويضيف عابدين، في حديث إلى «الأخبار»، إن «السودانيين سيُعانون على إثره (القرار) من المزيد من الضغوط المعيشية»، معتبراً أن «الإعانات ودعم الإغاثة لن تجد طريقاً للشعب، وإنّما ستذهب مباشرة إلى معسكرات المجاهدين وأماكن تجميع المستنفرين من حزب المؤتمر الوطني المحلول، وستحوّل أموال الموظفين من مرتّبات وحوافز إلى أدراج أحزاب وحركات الائتلاف الحالي من أنصار البرهان ونظام عمر البشير السابق». وإذ يؤكد عابدين عزم قوات «الدعم» على «مواصلة القتال»، يضيف «إننا سنهزم أجندة استمرار الحرب ونفرض السلام»، معتبراً أن «قرارات البرهان التي أصدرها خلال أربع سنوات، وحوّل فيها البلاد إلى حقل تجارب، تحت تأثير رغباته الشخصية، هي التي أوصلت إلى الحرب».
بدوره، يرى القيادي في «قوى الحرية والتغيير»، عروة الصادق، أن القرار يهدف إلى توسيع صلاحيات البرهان، وأعضاء مجلس السيادة المساندين له، والحدّ من صلاحيات الجهاز التنفيذي، الغائب أصلاً منذ انقلاب 25 نيسان الماضي»، لافتاً إلى أنه «يحدّ من استقلالية الوزراء الحاليين المكلّفين ويقوّض السلطات باعتبار أن السلطة السيادية صارت سلطة تنفيذية، ما يتعارض مع فصل السلطات». كذلك، يرى الصادق أن من شأن القرار أن «يُدخل السودان في المزيد من الانتهاكات الإدارية وغياب المراجعة الدقيقة ويشجّع على عمليات الفساد والإفلات من المحاسبة، ويزيد من الأعباء المالية على الدولة بالصرف على آليات ومركبات ومشرفين جدد للدولة»، كما «يغيّب الشفافية، بينما ليس للبلاد دستور ولا قانون سليم يشرف سياسياً على الجهاز التنفيذي في هياكل ومؤسسات الدولة»، فضلاً عن أن «القادة العسكريين مشغولون بالعمليات العسكرية في الخرطوم»، بحسب قوله. وبالنسبة إلى الجنرالين في «مجلس السيادة»، اللذَيْن لم يُمنحا أي صلاحيات، قال الصادق إنهما «مشهود لهما بالإخلاص في العمل في مجلس السيادة مع زياراتهما المتكررة لإقليم دارفور لحفظ الأمن حيث اجتهدا كثيراً في سبيل إنهاء الحرب، فيما يأتي القرار ليعاقبهما، ويعتبرهما في عداد المفصولين». إلا أنه، في الوقت نفسه، يؤكد أن «الأخيرين موجودان في المجلس وفق اتفاق سلام جوبا الموقّع مع الحركات المسلحة. لذا البرهان لا يستطيع فصلهما».
مستشار «حميدتي» لـ«الأخبار»: القرار يوجّه ما تبقّى من إمكانات السودان لمصلحة استمرار الحرب


أمّا الخبير العسكري وأستاذ العلاقات الدولية والاستراتيجية، الدكتور محمد خليل، فيلفت إلى أن القرار «يجيء تحاشياً لتشكيل حكومة للفترة الانتقالية لحين انتهاء الجيش من دحر وحسم التمرد من العاصمة الخرطوم وولاية جنوب دارفور، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»، إن «عملية إشراف القيادات العسكرية على الوزراء المدنيين المكلفين تهدف إلى عدم تفلّت المسؤولية من العسكريين، والتماشي مع رغبات مجلس السيادة وعدم تجاوز خطوط المجلس الحمر»، مستدركاً أن القرار «ينهي قيام أي حكومة موازية بواسطة أحزاب الاتفاق الإطاري، الحرية والتغيير، التي تمثل حاضنة سياسية للدعم السريع».
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت عقوبات على الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان، علي كرتي، وشركتَين تابعتين لـ«قوات الدعم السريع»، الخميس الماضي، على خلفية اتهامه بتقويض جهود السودان لإقامة حكم مدني وديموقراطي، والمساعي المبذولة نحو التوصّل إلى وقف لإطلاق النار لإنهاء الصراع بين الجيش و«الدعم السريع»، المتواصل منذ أشهر. وكان كرتي قد تولّى منصب وزارة الخارجية أثناء عهد الرئيس المعزول، عمر البشير، بين عامَي 2010 و2015، وكان سابقاً من مؤسّسي «مجاهدي قوات الدفاعي الشعبي»، ونُصّب أميناً عاماً لـ«الحركة»، بعد سقوط نظام البشير. كما فرضت واشنطن عقوبات على شركتَي: «GSK ADVANCE» لتكنولوجيا المعلومات والأمن، ومقرّها السودان، و«Aviatrade LLC» ومقرّها روسيا، وذلك على خلفية اتهام قوات «الدعم السريع» باستخدامهما للحصول على معدات عسكرية، من بينها طائرات مسيّرة روسية الصنع.
من جهتها، رأت «الحركة الإسلامية» أن العقوبات «قلادة شرف على صدر» أمينها العام، لأنه «وقف بنفسه وماله مجاهداً لله والوطن». وذكرت الحركة، في بيان، أنه في الوقت الذي «تقف فيه وقادتها في صفّ الوطن والمواطن (...) تأبى أميركا إلا أن تسترضي أبواقها التي تتّهم الحركة بإشعال الحرب».
وفي السياق نفسه، يقول المتحدّث الرسمي باسم أحزاب «قوى الحرية والتغيير»، شهاب إبراهيم، إن «الحركة الإسلامية ووجهاتها العسكرية هي من تشارك في المعارك بدعوى أنها حرب كرامة على حساب حياة المواطنات والمواطنين السودانيين»، مشيراً إلى أن «كل ذلك من أجل عودتهم إلى المشهد السياسي، من دون أن يدفعوا فاتورة 30 عاماً من التدمير لكل نواحي الحياة في السودان». ويضيف إبراهيم، في تصريح مكتوب لـ«الأخبار»، إن العقوبات «تحمّل كل المسؤولية لقادة الحركة الإسلامية وتحاصر المسؤولين منهم من جرائم دارفور، حتى لا يفلتوا من العقاب»، مشيراً إلى أنه «يجب أن يتم تسليم هؤلاء إلى محكمة الجرائم الدولية ومحاكمة من أشعل الحرب».
في غضون ذلك، قال مراقبون إن حدّة المواجهات العسكرية بين الجيش و«الدعم السريع» أصبحت تشكل بيئة خصبة للسودانيين المرتبطين بحركتَي «داعش» و«القاعدة» الإرهابيتين، لممارسة نشاطاتهما من داخل السودان، بينما بدأت الحرب في التحول إلى حرب عقائدية و«أيديولوجية». وفي السياق، يرى المتخصّص في شؤون الجماعات الإسلامية، الهادي محمد، أن هناك «جهات تسعى إلى نقل الصراع العسكري في البلاد إلى أبعاد دينية». ويضيف محمد، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الحرب الدائرة حالياً تعمل على تهيئة المناخات الملائمة لتصاعد الجماعات المتطرّفة لوجود الظروف المحفّزة، والظروف الكامنة». وبحسب محمد، فإن من بين عوامل بروز الجماعات المتطرفة؛ «موقع السودان الإقليمي الجغرافي في الشريط الجهادي للحركات المتطرّفة التي لها امتدادات إقليمية، منها «حركة الشباب» في الصومال، والتي تسعى إلى التوسّع في كينيا وأوغندا، و»حركة الإصلاح الإريتري» و»جيش سينا» في مصر، وتنظيم «داعش» في تشاد»، مشيراً إلى أنها «حركات تعمل بتنسيق مشترك ولها أبعاد إقليمية، فيما لحركتي «داعش» و»القاعدة» اهتمام بالسودان تحديداً».