بغداد | تسود أجواء عدم الرضى جماهيرَ "حَراك احتجاجات تشرين الشعبية" حيال ممثّليهم في البرلمان العراقي، وذلك بالتزامن مع خروج العشرات منهم، في مختلف محافظات البلاد، للمشاركة في الذكرى الرابعة لانطلاق الاحتجاجات، والمطالبة بمحاسبة "قَتَلَة" المتظاهرين، والكشف عن المغيّبين منهم، والقضاء على الفساد المتفشّي، إلى جانب رفضهم للانتخابات المحلّية المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري. وكانت الاحتجاجات قد اندلعت، في الأول من تشرين الأول عام 2019، في معظم المدن العراقية، واستمرّت على مدى أشهر اعتصم خلالها مئات الآلاف في "ساحة التحرير"، وسط بغداد، وباقي ميادين الاحتجاج، ولا سيما في جنوب البلاد، رفضاً لتفشّي البطالة والفقر، وتعثّر الخدمات العامّة والبنى التحتية. وإلى مئات الإصابات، قُتل في الاحتجاجات ما يزيد على 560 شخصاً، معظمهم من المحتجّين، وهو ما أدّى إلى استقالة رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة أفرزت فوز نحو 40 نائباً "حَراكيّاً". ولكن انتقادات "الشارع" بدأت تطال هؤلاء أيضاً، نتيجةَ صمتهم عن المطالبة بحقوقهم، وأبرزها كشف المتورّطين في استخدام العنف ضدّهم، وعدم تشكيل جبهة برلمانية فعّالة تعارض النظام السياسي الحاكم، منذ عام 2003.
وعلى هذه الخلفية، يقول النائب عن "حَراك تشرين"، سجاد سالم، في حديث إلى "الأخبار"، إن "القيمة الفكرية والاجتماعية والسياسية لاحتجاجات تشرين، ستبقى لعقود في أذهان الأجيال العراقية. وهي ستثمر، إنْ لم يكن في الوقت الراهن نتيجةَ القمع والهيمنة السياسية، إلّا أنه سيكون لها أَثر كبير في المستقبل". ويضيف إن "كل فترة احتجاج تترافق مع أعمال قمع، واغتيالات، واختطاف، يجب أن نمرّ بعدها بفترة عدالة انتقالية. لذلك، قدّمنا مقترحاً في البرلمان، هو "ضحايا التظاهرات" من شهداء وجرحى ومغيَّبين ومبعَدين قسراً"، لافتاً إلى أن "المقترح أصبح في عهدة رئاسة مجلس النواب، وننتظر إدراجه في جدول الأعمال للتصويت عليه". ويعتقد سالم أن هذا القانون مهمّ، لأنه "سيركّز على إصلاح سيطال المنظومتَين السياسية والأمنية، ذلك أن القوات الأمنية تعاملت (مع المتظاهرين) بالقتل، وإطلاق النار المباشر، وكذلك تعامل فصائل خارجة عن القانون بإطلاق النار على تظاهرات سلمية وطنية". ومع ذلك، يستدرك النائب "التشريني" "غياب الإرادة السياسية في النظام الحالي، في الكشف عن ملفّ القاتلين"، آملاً أن "يُكشف ملفّ المتورّطين في مقتل المتظاهرين، مع إصرارنا الكبير ووجود روح الخلاص من الطغمة السياسية الحالية".
من جانبها، ترى النائبة الكردية، سروة عبد الواحد، الداعمة لـ"احتجاجات تشرين" والمتحالفة سابقاً مع نواب الحَراك، أن النواب الذين حصلوا على مقاعد باسم "ثورة تشرين"، "هم، للأسف الشديد، من المقصّرين، لأنهم لم يشرّعوا أيّ قانون لمصلحة ضحايا الثورة، ولم يطالبوا بتحديث قانون التظاهر الذي ينظّم مسار الاحتجاج الشعبي". وتشير عبد الواحد، في حديث إلى "الأخبار"، إلى أن نواب تشرين "لا بد أن ترتفع أصواتهم، لكنهم، على رغم مطالبتهم بنقل صوت الشارع داخل البرلمان، لم يعملوا حين وصلوا إلى السلطة التشريعية"، مبيّنةً أيضاً أن "ممثّلي تشرين لا يتحمّلون الذنب كاملاً، بل النظام السياسي هو أيضاً شريك في تغييب الثوار وقتْلهم، بسبب هيمنته على القرار". وفيما تلفت إلى أن بعض "النواب الثوريين" انضووا في إطار "التنسيقي"، فهي تؤكد ما تقدَّم من خلال الإشارة إلى "تحالفهم مع محسن المندلاوي الذي يُعدّ ركيزة أساسية للإطار في هيئة الرئاسة". ووفق النائبة الكردية، "لم يستغلّ النواب قبّة البرلمان للمطالبة بحقوقهم، أو من أجل إنصاف ضحايا ثورة تشرين ومصابيها، ولم يذهبوا إلى جبهة المعارضة، إذ ذُوّب أغلبهم داخل الأحزاب المهيمِنة".
خرج عراقيون، في مختلف محافظات البلاد، للمشاركة في الذكرى الرابعة لانطلاق الاحتجاجات


في المقابل، يصف الباحث السياسي العراقي، علي البيدر، لـ"الأخبار"، صورة احتجاجات تشرين بعد مرور أربع سنوات عليها، بـ"الباهتة"، معدّداً الأسباب، ومنها "تراجع الزخم المجتمعي عن مساندتها، وتشظّي الموقف التشريني، واهتمام الشارع العراقي بأمور أخرى"، ما أدّى إلى "تحوُّل تشرين من فكرة احتجاجية، إلى موقف سياسي أقلّ تعاطفاً معها من قِبَل الشارع". ويشير البيدر إلى أن "نسبة الرضى عن نواب تشرين في البرلمان أصبحت هامشية أو بسيطة، كون الأمر يرجع إلى صعوبة تحقيق مطالب جماهير تشرين وانغماس النواب في بوتقة السلطة، التي تُحتّم عليهم السير في خطّ معين، داخل المشهد السياسي. ولذلك، يَنظر الشارع التشريني إلى نوابه بعين العتب، ويرى أنهم لم يحقّقوا شيئاً". ويتابع البيدر: "نسبيّاً، لم تحصل الأحزاب ومرشّحوها عن حراك تشرين، على مساحة كبيرة من مجالس المحافظات، مقارنة بنسبة الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات البرلمانية السابقة، بسبب تغيّر الموقف السياسي، وهذه الأسباب ستمنع تحالفات تشرين من الحصول على أصوات داخل انتخابات مجالس المحافظات المقبلة".
وفي هذا السياق، يستذكر الناشط، بارق علي، ما حصل في محافظة ذي قار جنوب البلاد، من "خذلان لهذه الثورة التي اندلعت ضدّ السلطة والفساد المسشتري في العراق"، معتبراً أن "معظم النواب الذين وصلوا إلى البرلمان، نَسوا المطالب التي خرجنا من أجلها، وذابوا داخل الأحزاب التي كانت تحشد وتحرّض على قتلنا وإنهاء احتجاجنا". ويقول، لـ"الأخبار"، إن "استذكارنا وتخليدنا لاحتجاجات تشرين هما من أجل الوفاء لشهدائنا وعائلاتهم، وليس لشيءٍ أخر، لأنه لم يتغيّر من الواقع سوى القليل... نحن سابقاً رفضنا مجالس المحافظات لأنها غير مجدية، واليوم نرى الجميع يصارع من أجل الفوز، ولا سيما نواب تشرين والأحزاب التي انبثقت منها"، مبيّناً أنه لا يحمل آمالاً كبيرة إزاء "قيام الممثّلين عن ثورة تشرين، بالكشف عن المتورّطين بدماء المتظاهرين، لأن أغلبهم استفادوا من الوضع الفاسد وانغمسوا مع الفاسدين لمنافع شخصية".
وتتّفق الناشطة المدنية، سجى البياتي، مع حديث بارق علي، إذ تقول، لـ"الأخبار"، إنه "بعد ثورة تشرين، لم يتحقَّق شيء، ولم يكشفوا عن قَتَلَة المتظاهرين، ولم يُعرف مصير المغيّبين قسراً والمهدّدين الذين لا يزالون في المنفى، فيما لم يتمّ توفير فرص عمل للشباب، أو القضاء على الفساد المالي والإداري وتحسين البنى التحتية". وفي ما يخصّ وجود عدد من النواب في البرلمان من الذين لم يحققوا شيئاً ملموساً لمتظاهري تشرين، تعزو البياتي السبب إلى "قلّة عدد المستقلّين الحقيقيين، حتى وإنْ كانوا يدّعون أنهم يمثّلون تشرين كأفراد وأحزاب ناشئة، ولكنهم كشفوا عن هوياتهم عندما تركوا مبادئ تشرين الأساسية، وذهبوا خلف المكاسب الشخصية (…)".