بغداد | يشكو عدد من المحافظين تأخّر انطلاق مخصّصاتهم المالية من موازنة عام 2023، واللازمة لإكمال المشاريع الخدمية المتلكِّئة في محافظاتهم، فيما يعزو مسؤولون حكوميون ذلك الحجب إلى نيّة عدم السماح باستغلال موارد الدولة في الحملات الدعائية لانتخابات مجالس المحافظات، والتي لم يبقَ عليها سوى أقلّ من شهرَين، بحسب الموعد المقرّر من قِبل «المفوضية العليا للانتخابات». وكان صوّت مجلس النواب العراقي، في حزيران الماضي، بالأغلبية، على قانون الموازنة الاتحادية للعام الجاري وللعامَين المقبلَين، وذلك بعد خلاف حادّ بشأن آلية توزيع عائدات تصدير النفط من إقليم كردستان، ومخصّصات المحافظات الوسطى والجنوبية. وإذ تشكّلت الموازنة المذكورة من 168 مادة، وبلغت قيمتها 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار)، بعجز وصل إلى 64 تريليون دينار (48 مليار دولار)، وعلى أساس سعرٍ لبرميل النفط حُدّد بـ70 دولاراً، فقد خصّصت الحكومة، بموجبها، تريليونين و500 مليار دينار لتنمية المحافظات وتطويرها، وهو ما لاقى اعتراض نواب 15 محافظة طالبوا بمضاعفة المبلغ إلى 5 تريليونات، علماً أن قانون الأمن الغذائي والتنمية، الذي أقرّه البرلمان عام 2022 كبديل من الموازنة، خصّص 10 تريليونات للغرض المُشار إليه نفسه.وبينما تُدافع مصادر حكومية بأن الوقت الملائم لإطلاق موازنة هذا العام في عموم المحافظات، هو بعد إجراء الانتخابات المحلّية، وذلك تفادياً للفساد واستغلال الأموال من قِبل مسؤولين محلّيين في دعاياتهم الانتخابية، استضافت اللجنة المالية النيابية، الأحد الماضي، أكثر من عشرة محافظين في مبنى البرلمان، لمناقشة المشاريع الخدمية والاستثمارية في كلّ محافظة، وإحصاء المبالغ المالية المخصّصة لها. وفي هذا الإطار، يشدد محافظ البصرة (جنوب)، أسعد العيداني، على ضرورة أن «تُنجَز تلك المشاريع بالسرعة القصوى، لأن هذه الحكومة بالذات هي حكومة خدمات»، معتبراً أن «عدم صرف الأموال للمقاولين سيؤخّر عملية إكمال المشاريع، وهو ما سينعكس سلباً على الخدمة التي تُقدّم للمواطن»، لافتاً إلى «أنّنا حضرنا مرّتَين اجتماعات اللجنة المالية، وطالبنا من خلالها بالوقوف على كلّ العقبات التي تُعيق صرف المستحَقّات للمحافظات جميعاً»،
وفي الاتجاه نفسه، يعتقد محافظ بابل (وسط)، وسام أصلان، أن «الموازنة هي الدافع الكبير الذي يحرّك عجلة الإعمار والمشاريع في المحافظات، وهي التي توفّر لنا البيئة الإيجابية السليمة في إدارة المحافظة من ناحية الخدمات»، مستنتجاً أن «تأخّرها بالنسبة إلينا مشكلة كبيرة». ويشير أصلان إلى أن «تأخّر إطلاق المشاريع مستمرّ، على الرغم من توجيه رئيس الوزراء بضرورة حلّ هذه المشكلة والمباشرة في إطلاق صرف المستحقّات»، مفيداً بأن «وزيرة المالية وجّهتنا بملء استمارة للشروع بإطلاق تخصيصات للمشاريع المستمرة المدرجة سابقاً، ولم نتكلم عن مشاريع الإدراج الجديد التي تكون آليات الصرف فيها في العادة أكثر تعقيداً». ويشدّد على «ضرورة إطلاق المستحَقّات للخروج من نفق التأخير والانحرافات التي تحدث، وخصوصاً عندنا في محافظة بابل حيث توقّف قرابة الأربعين مشروعاً».
تُدافع مصادر حكومية بأن الوقت الملائم لإطلاق موازنة هذا العام في عموم المحافظات، هو بعد إجراء الانتخابات المحلّية


من جهته، يؤكد رئيس اللجنة المالية النيابية، عطوان العطواني، أن «هناك تأخيراً كبيراً في ما يتعلّق بتمويل المشاريع»، واصفاً هذا التأخير بأنه «مرفوض تماماً»، وداعياً رئيس الوزراء إلى أن يوجّه بـ«إكمال المشاريع ضمن السياق الطبيعي»، بما يتيح «إنجاز العمل المنصوص عليه في المنهاج الحكومي». وتشير النائبة في البرلمان، إخلاص الدليمي، بدورها، إلى أنه «لم يبقَ من السنة الحالية سوى شهرين فقط، وما زلنا نعاني من قضية عدم إطلاق التخصيصات، على الرغم من وجود مشكلات كبيرة جدّاً في المحافظات، وعدم وصول نسبة التمويل لها إلى 2% حتى ونحن في الشهر العاشر»، لافتةً إلى أن «هنالك مشاريع جديدة كبيرة مثل مشروع تحلية المياه، الذي يحتاج إلى سنوات وهو مُدرج في هذه الموازنة، فمتى ينفَّذ إذاً ونحن نشارف على انتهاء عام 2023»، متحدّثة أيضاً عن «تعقيدات في إدراج المشاريع تتسبّب بإعادتها إلى وزارة التخطيط ومن ثمّ إلى المحافظة». ولا تستبعد الدليمي أن يكون «أحد أسباب تأخير إطلاق الأموال هو الرغبة في عدم استخدامها في مشاريع سياسية وانتخابية، وبالتالي حمايتها من الفساد والسرقة»، مستدركةً بأن «هذا ليس مبرّراً لتأخير المشاريع التي تحتاج إلى وقت طويل».
أمّا الخبير الاقتصادي وعضو «اتحاد رجال الأعمال» العراقيين، عبد الحسن الزيادي، فيقول إن «السنة الحالية انتهت وليست هناك موازنة مالية، لدينا الكثير من المشاريع التي هي بحاجة إلى أموال لكي تُنجز، وكرجال أعمال ومقاولين لا نستطيع العمل من دون أموال وتخصيصات»، داعياً «الحكومة إلى الإسراع في إطلاق الأموال لإكمال العمل في المشاريع داخل العاصمة بغداد وكذلك في المحافظات، ولا سيما مشاريع فكّ الاختناقات المرورية وشبكات النقل وحلّ أزمة المياه والمدارس وغيرها الكثير ممّا بقي على حاله». ويشكّك الزيادي في «إنجاز المشاريع التي تضمّنها المنهاج الحكومي»، لافتاً إلى أن «أموال السنة الحالية سوف تُرحّل إلى السنة الجديدة، وبالتالي تتراكم المشاريع وتذهب تخصيصاتها إلى جيوب الفاسدين كما حدث في السنوات السابقة».