الحسكة | بعد مرور 4 سنوات على إعلان تركيا تجميد آخر عملية عسكرية ضدّ «قسد» في سوريا (نبع السلام)، إثر توقيع «اتفاق سوتشي» بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، يتخوّف الأكراد السوريون، اليوم، من تجدّد الهجمات التركية على مناطقهم، على خلفية عملية التفجير في أنقرة، والتي تبناها «حزب العمال الكردستاني»، الذي تعتبر تركيا، «قسد»، ذراعهُ السورية. ورغم أن الإعلام الكردي التابع لـ«الإدارة الذاتية» سارع إلى الترويج أن أنقرة «افتعلت الهجوم» بهدف خلق ذريعة لشنّ هجمات جديدة على مناطق شمال شرق سوريا، إلّا أن تبنّي «العمال الكردستاني» الصريح للتفجير، أجبر وسائل الإعلام تلك على التراجع سريعاً عن هذه «النظريات»، في حين استمرّت في التحذير من هجوم تركي قد يكون وشيكاً.وما عزّز هذه المخاوف الكردية، تصريحات الرئيس التركي عقب العملية، التي قال فيها إن «تركيا أنشأت شريطاً أمنياً على حدود تركيا الجنوبية لحفظ أمن بلادنا، وسنضرب الإرهابيين في عقر دارهم»، في ما فُهم على أنه إشارة إلى نوايا تركية بالتحضير لشنّ هجمات جديدة. أما وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، فكان أكثر مباشرة في تهديداته، إذ قال إن «الإرهابيَين اللذين نفّذا تفجير أنقرة قدِما من سوريا وتلقّيا تدريبات في تركيا»، مضيفاً أنه «من الآن وصاعداً، البنى التحتية ومنشآت الطاقة كافة التابعة لتنظيم (بي كي كي) الإرهابي في سوريا والعراق، أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية».
وبناءً على ذلك، سارعت «قسد» إلى اتّخاذ عدة إجراءات استباقية، في محاولة للحدّ من آثار أي هجمة تركية جوية واسعة. وعادة ما تلجأ «الذاتية» إلى مثل هذه الإجراءات حين تستشعر خطراً وشيكاً، حيث تعمّم على قادتها ومقاتليها تعليمات بضرورة الحدّ من حركة الآليات العسكرية، واستخدام أجهزة الاتصال المحمولة، إلا للضرورة القصوى. أيضاً، تشرع «قسد» في عملية تعزيز لنقاطها القريبة من خطوط التماس مع الأتراك والفصائل المسلحة، وتحرص على إفراغ مستودعات الأسلحة والذخائر الرئيسة، خوفاً من استهدافها. ورغم التخوف الكردي الواضح، إلّا أن تحركات الجيش التركي والفصائل المسلحة الموالية له على الحدود لا تزال في حالتها الاعتيادية، فيما لم تُرصد أيّ تحشيدات أو تعزيزات عسكرية على امتداد هذه المناطق، باستثناء دخول رتل عسكري تركي ضمّ نحو 30 آلية في اتجاه مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي.
ويبدو أن أنقرة اختارت الردّ مبدئياً على حادثة التفجير، باللجوء إلى تكثيف الضربات التي تنفّذها الطائرات المسيّرة، مع توسيع رقعة الاستهداف ليطاول لأول مرّة آليات ومقارّ لـ«قسد» في مركز مدينة الحسكة، التي تبعد أكثر من 80 كم عن الحدود التركية. وكانت طائرة مسيّرة، قد استهدفت، ليل الإثنين - الثلاثاء، سيارة «جيب» بصاروخين، على جسر البيروتي، عند مدخل حي غويران الشمالي في مركز مدينة الحسكة، ما أدّى إلى مقتل شخصين، يُعتقد أنهما قياديان في «قسد» أو «الأسايش». ثمّ عادت المسيّرات واستهدفت مقراً لـ«قسد» في معمل القرميد الحكومي سابقاً، بثلاثة صواريخ، ما أدّى إلى وقوع قتلى وجرحى، في ظلّ معلومات تتحدّث عن كون المقرّ المستُهدف، واحداً من معامل الصناعة العسكرية التابعة لـ«قسد».
وإلى الآن، لم تُظهر تركيا اندفاعاً كبيراً لشنّ عملية عسكرية جديدة ضدّ «قسد»، نظراً إلى خشيتها من تكرار سيناريو العام الفائت، حيث فشلت في الحصول على ضوء أخضر من كلّ من روسيا والولايات المتحدة لشنّ عملية برية، وذلك بعد حادثة التفجير لشارع تقسيم وسط إسطنبول. ولذا، يبدو أن أنقرة تعمد، حتى الآن، إلى إطلاق بالونات اختبار، عبر تصعيد الاستهدافات الجوية، لاستكشاف مواقف الأطراف المختلفة، خصوصاً واشنطن وموسكو وطهران. وعليه، فإن الجهد التركي، سيتركّز، في المرحلة المقبلة، في اتّجاهَين، هما: أولهما، محاولة الضغط مجدداً على كل من روسيا والولايات المتحدة، على نحو خاص، للاستحصال على موافقتهما على شنّ عملية عسكرية برية جديدة في سوريا، وثانيهما، الطلب منهما فتح المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية الحربية لتنفيذ هجمات جوية واسعة ضدّ أهداف تابعة لـ«قسد»، في مسعى لتكرار سيناريو استهدافات عام 2019، والتي ترافقت مع عملية «نبع السلام».