في شهر حزيران من عام 1965، وخلال إحدى موجات الاحتجاج آنذاك، شاهد الباحث في التاريخ اليهودي، والكيميائي الإسرائيلي يسرائيل شاحاك، يهودياً متعصباً يرفض استخدام هاتفه في يوم السبت، من أجل استدعاء سيارة إسعاف لنقل غير يهودي أُغمي عليه في إحدى ضواحي القدس. وبالرغم من احتجاج شاحاك أمام أعضاء المحكمة الدينية على هذا السلوك، برّر كبار الحاخامات فعل اليهودي بالعودة إلى النصوص التلمودية، معتبرين أن «اليهودي كان مصيباً في تصرّفه وتقيّاً، وأنه لا يجب عليه انتهاك حرمة السبت إلّا في حال وجود خطر على يهودي آخر ومن أجل إنقاذ اليهودي فقط». دفعت تلك الحادثة الرهيبة، شاحاك، الذي يُعدّ «يسارياً راديكالياً»، إلى البحث والتدقيق في التاريخ اليهودي، وهو ما أفضى في نهاية المطاف إلى خروج كتابه «التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية: مسيرة 3 آلاف عام»، إلى حيّز الضوء عام 1994.

في كتابه الشهير الذي يعتمد على مئات المصادر التاريخية الأجنبية واليهودية، وكتب التلمود والتوراة والشروحات المعتمَدة في تطبيق الشريعة اليهودية، يكشف شاحاك عن وجه إسرائيل الحقيقي، وعن جوانب من الديانة اليهودية التي لا تقلّ قواعدها وأحكامها تجاه غير اليهود فظاعة عمّا تدعو إليه النازية، وخصوصاً ضدّ المسيحية والمسيحيين؛ إذ بحسبه «ينبغي الإقرار منذ البدء بأن التلمود، والأدب التلمودي، عدا عن خطّه المعادي عموماً لكلّ الشعوب، يتضمّن تعابير عدائية ومفاهيم موجَّهة ضدّ المسيحيين بشكل خاص». ويلفت إلى أن التلمود يأمر اليهود بـ«حرق أيّ نسخ من العهد الجديد تقع في أيديهم (وإنْ أمكن بصورة علانية)»، وهو ما لا يزال سارياً إلى الآن، ووُثّق مرّات عدّة في حيّ «مئة شعاريم» الذي يسكنه اليهود «الحريديون» في القدس المحتلة. وفي أحد تلك الحوادث العائد تاريخه إلى 23/03/1980، احتفلت منظمة «ياد لياخييم» اليهودية المتطرّفة، والتي كانت مدعومة في حينه من وزارة الأديان، بطقس حرق مئات النُسخ من الإنجيل (العهد الجديد)، فيما عام 2008، أحرق سكّان مستوطنة «أور يهودا» آلاف النسخ من العهد الجديد بمشاركة مختلف الشرائح في المستوطنة، ومن بينهم طلبة المعاهد الدينية والحاخامات وغيرهم، بـ«طريقة مشابهة تماماً لحرق النازيين نسخاً من التوراة والتلمود».
أمّا كتاب الراف موشي بن ميمون، «مشنيه هتوراة»، و«المجموعة الكاملة للشرائع التلمودية»، فيطفحان بأسوأ النعوت لكلّ الأمم والشعوب، وبهجمات صريحة على المسيحية ويسوع المسيح، من بينها العبارة التي تَرِد بعد كلّ ذكر لكلمة المسيح: «فَلْيُمحَ ذكر الشرير وتلامذته». والجدير ذكره، هنا، أن هذا الكتاب المُعتمد في إسرائيل منذ قيامها، نُشر في روما عام 1480، أثناء ولاية سكستوس الرابع (أي في الوقت الذي تدّعي اليهودية تعرّض اليهود فيه للاضطهاد المسيحي)، من دون حذف أيّ من مضامينه؛ فقط لأن «الحاخامية اليهودية كانت معتادة على الرشوة»، في إشارة إلى رشوة الطبقة الحاكمة. وبعد أعوام من ذلك، نُشر أيضاً، في عهد ألكسندر بورجيا السادس، كتاب أبوليوس («الحمار الذهبي») الذي اشتمل على هجوم شرس وعنيف على المسيحية والمسيح، «وذلك في خضمّ موجة اضطهاد ضدّ التلمود، استمرّت حتى القرن السادس عشر، وخضع على إثرها كلّ الأدب التلمودي والتلمود نفسه للرقابة المسيحية في بلاد عديدة، حتى عام 1917».
لكن هذه الرقابة، بحسب شاحاك، «أفضت إلى عملية تضليل لا تزال مستمرّة إلى اليوم»، حيث حُذفت (إبّان فترة اضطهاد التلمود والأدب التلمودي) بعض الفقرات المؤذية للمسيحية من كلّ الطبعات والنسخ المنشورة في أوروبا خلال القرن السادس عشر وبعده، فيما استُبدلت كلمات مثل «غوي» و«غريب» و«غير يهودي»، بعبارات مِن مِثل «وثني وهمجي وكنعاني وسامري»، يعتبرها اليهود «تلطيفاً» لتعابير عنصرية قديمة. و«خلال عهد روسيا القيصرية، حيث كانت الرقابة أشدّ على التلمود، عمدت السلطات الحاخامية إلى استبدال التعابير المؤذية بعربي أو مسلم أو إسماعيلي، لتجنّب اعتراض السلطات القيصرية على مثل هذه الإساءات». وفي الوقت نفسه، «عُمّمت قوائم وإشارات إلى المحذوفات»، وجرى التوضيح أن «الإساءات يُقصد بها وثنيون كنعانيون اندثروا منذ زمن بعيد وليس الشعوب التي نعيش على أرضها». وخلال الاحتلال البريطاني للهند، نشرت السلطات الحاخامية كتبها باستخدام تعابير جديدة، مبيّنةً أن «أيّ تعبير شائن يُقصد به الهنود فقط، وأحياناً السكّان الأستراليون الأصليون». إلّا أنه بعد قيام إسرائيل، واستشعار الحاخامات والسلطات الحاخامية الأمان، أعيدت كلّ الفقرات والتعابير العدائية إلى الطبعات والنسخ الجديدة كافة، ومن بينها نسخة بعنوان «هيسرونوت شاس» أتيحت لليهود قراءتها بحرية، فيما بدأ تعليم الأطفال فقرات من مثل تلك التي تأمر اليهودي بـ«تلاوة الرحمة إذا مرّ بالقرب من مقبرة يهودية، وأن يلعن أمهات الموتى إذا مرّ بالقرب من مقبرة غير يهودية»، وهو ما لا يزال سارياً إلى اليوم.
ينصّ التلمود وشروحاته وأحكامه على «واجب أن يبصق اليهودي ثلاث مرّات عندما يرى كنيسة أو صليباً»


كلّ ما أنف ذكره، يؤكد، بحسب شاحاك، حقيقة «أن المجتمع اليهودي الشمولي لا يزال - منذ قرون عديدة - يستخدم عادات بربرية لا إنسانية، وتقاليد لا يمكن تبريرها على الإطلاق باعتبارها مجرّد ردّ فعل على اللاسامية واضطهاد اليهود، لأنها تصرّفات موجّهة ضدّ كلّ غير اليهود». ومن ضمن تلك التقاليد ما ينصّ عليه «كتاب المعرفة» المنشور في القدس منذ عام 1962، والذي يُعدّ جزءاً من القانون الميموني، وينصّ مثلاً على ضرورة إبادة اليهود الكفرة (في النسخة الإنكليزية تُرجمت الإبادة إلى: «يجب اتخاذ تدابير نشطة ضدّهم»)، وتَرِد فيه أيضاً عبارة: «ليختفِ اسم (يسوع الناصري) الشرير وتلامذته»، علماً أن كلّ هذه الكلمات «لا تَظهر إطلاقاً في النسخ الإنكليزية المنتشرة في العالم، ومع ذلك لم يحتجّ أحدٌ على هذا الخداع والتضليل».
إضافة إلى ما تَقدّم، يوضح بن ميمون، الذي يُعدّ أعظم فلاسفة اليهود، في الكتاب الثالث من «دليل المحتار»، مَن هم البشر القادرون على «الاقتراب من القيم الدينية العليا والعبادة الحقيقية لله»، مستثنياً منهم «بعض الأتراك (مثل المنغول)، والبدو إلى الشمال، والسود والبدو إلى الجنوب ومن يشابهونهم في أقاليمنا، والذين تشبه طبيعتهم طبيعة الحيوانات البكماء، وهم في رأيي لم يبلغوا مستوى الكائنات البشرية». أمّا في الترجمة الإنكليزية لـ«دليل المحتار»، فتُفسَّر كلمة «كوشيم» (السود) العبرية، بكلمة «كوشيستيم» التي لا تعني أيّ شيء بالإنكليزية. وللمفارقة، حصل هذا الخداع والتضليل في عهد مارتن لوثر كينغ، الذي أيّده بعض الحاخامات على رغم كونهم يحملون موقفاً معادياً للسود كجزء من تراثهم اليهودي، وذلك يفسَّر، بحسب شاحاك، إمّا «انطلاقاً من دوافع تكتيكية هدفت إلى خدمة المصالح اليهودية، وكسب دعم السود ليهود أميركا وسياسة إسرائيل»، وإمّا انطلاقاً من «انفصام الشخصية والقدرة على التحوّل من الاستمتاع الدفين بالعنصرية تجاه السود إلى الارتباط المزعوم بنضالهم ضدّ العنصرية».
أمّا الكتاب الأفظع في هذا السياق، فهو «هتانايا» لحركة «حاباد» التي تُعدّ أشهر فروع «الحسيدية»، وينتمي إليها وزير المالية الحالي، والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش. بحسب هذا الكتاب، فإن «كلّ غير اليهود هم مخلوقات شيطانية، ولا يوجد فيهم أيّ شيء طيّب على الإطلاق، وحتى الجنين غير اليهودي يختلف نوعياً عن الجنين اليهودي. ومجرّد وجود غير اليهود ليس أمراً هامّاً، لأن جميع المخلوقات الأخرى وجدت من أجل اليهود». والجدير ذكره، هنا، أنه إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، أمر كبار حاخامات «الحبادية»، الإسعاف العسكري (الممرّضين والأطباء العسكريين)، بحجب العلاج عن الجرحى «الغوييم» (أي غير اليهود). وبالنسبة إلى «الهلاخاه» أو النظام القانوني لليهودية الكلاسيكية، فهي تَعتمد على التلمود البابلي، وتُعدّ أقدمُ مجموعة قوانين خاصة بها، لا تزال ذات أهمية بالغة إلى اليوم، هي «ميشناه توراة» (موسى بن ميمون)، و«شولحان عروخ» التي ألّفها الحاخام، يوسي كارو. بحسب هذه القوانين، يُعتبر قتل اليهودي جريمة كبرى عقوبتها الإعدام، «حتى خارج نطاق العدالة المعتادة»، فيما اليهودي قاتل غير اليهودي «مذنب فقط وفق قانون السماء، والله يحاسبه على ذلك». كما لا يُعتبر التسبّب بموت غير يهودي بطريقة غير مباشرة خطيئة على الإطلاق». وفي حالة الحرب، يجيز الحاخامات للجنود قتل كلّ غير اليهود (وتحديداً الفلسطينيين) حتى لو كانوا مدنيين وظهروا كطيّبين عكس حقيقتهم، لأن «الواجب الديني هو قتلهم (حتى وإن كانوا أطفالاً) خلال الحرب».
كذلك، يُعتبر كلّ غير اليهود «كذابين بالفطرة» وفق الهلاخاه، و«لا يمكنهم الشهادة في المحاكم الدينية»، بينما أيّ اتصال جنسي بين يهودي وغير يهودية (بغضّ النظر عن سنّها) تُحسب فيه الخطيئة على غير اليهودية، «لأن جميع غير اليهود بغايا، وقد تسبّبوا بالمشكلات لليهودي». أيضاً، ينصّ التلمود وشروحاته وأحكامه على «واجب أن يبصق اليهودي ثلاث مرّات عندما يرى كنيسة أو صليباً»، وعلى أن يوجّه في الصلاة الأسبوعية (المباركات الثماني) لعنة خاصة إلى المسيحيين واليهود المرتدّين إلى المسيحية، ومفادها: «وليفقِد المرتدّون كلّ أمل، وليفنَ جميع المسيحيين على الفور».