بغداد | تحدّث رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، في لقاء تلفزيونيّ بثّته إحدى القنوات المحلية السبت الماضي، عن أن وثيقة الاتفاق السياسي التي وقّعت عليها قوى «الإطار التنسيقي»، فيها بند لا يَعتبر الانتماء إلى داعش «جريمة»، وبالتالي يتيح منح تعويضات لقتلى التنظيم، معتبراً أن «الموافقة على هذه الفقرة كانت لأغراض انتخابية على حساب دماء الناس، ومقاتلي الجيش والقوات العراقية». وعلى إثر ذلك، هاجمت أطراف وقوى سنّية، العبادي، واصفةً تصريحاته بأنها «غير موفّقة»، ومعتبرةً أنها تؤجّج الطائفية عشية موعد انتخابات المجالس المحلية المقرّرة في نهاية العام الجاري، فيما انتقد «حزب تقدّم» الذي يتزعّمه رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، العبادي، واتّهمه بأنه يبحث عن «مكاسب انتخابية» من خلال تصريحاته الإعلامية. وتولّى العبادي رئاسة الوزراء بين عامَي 2014 و2018، وذلك في ذروة المعارك ضدّ تنظيم «داعش»، وسعى إلى كسب ولاية ثانية، لكنه واجه رفضاً واسعاً من قِبل قوى سياسية أبرزها شيعية. وقبل أيام، حضر الرجل إلى جانب جَمع كبير من السياسيين، المؤتمر العام الخامس لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني» في السليمانية، حيث هاجم في كلمة له النظام السياسي الحالي، متّهماً إياه «بابتلاع الدولة وتحاصص النظام وتجيير الخيرات وارتهان الإرادة. وهذه من سمات العصابات، وليست من صفات قوى سياسية تحترم الذات والدور والرسالة».
وفي تعليقه على تصريحات العبادي، يعتبر القيادي في «الإطار التنسيقي»، ثامر ذيبان، في تصريح إلى «الأخبار» أنه «ليس كلّ ما يُطرح في الاتفاقات السياسية يُنفّذ. ولنفترض أنه كانت هناك مطالبة من حزب تقدّم أو السيادة بشأن الاتفاق السياسي على قانون العفو العام، فأعتقد أنها ليست بهذه الطريقة أو بهذا المسمى». ويضيف أنه «لم تأتنا هذه الورقة. في النتيجة لا يستطيع أحد أن يجازف ويذهب في هذا الاتجاه. يمكن أن يكون هناك اتفاق مع حكومة إقليم كردستان في قانون الموازنة، لكن في مسألة منح الحرية للإرهاب، لا أعتقد».
أما النائبة عن «كتلة الصادقون» النيابية، الجناح السياسي لـ«حركة عصائب أهل الحق»، زهرة البجاري، فترى أن تصريحات العبادي «هي دعاية انتخابية مبكرة مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، وهي للأسف الشديد تفتقر إلى المصداقية». وتؤكّد البجاري، لـ«الأخبار»، «أننا لا نقبل أن يكون مجرمون قتلة ساهموا في تدمير شعبنا وإراقة دماء أبنائه وسبي النساء، متمتّعين بالحرية. ولذا ندعو إلى الابتعاد عن التصريحات الكاذبة التي تؤجّج الشارع من خلال قضايا طائفية وحسّاسة». ودافعت بأن «قوى الإطار التنسيقي، تعمل بروح وطنية، ولن تتنازل عن الحشد ودماء الشهداء، ولن تساوم داعش وذيوله، على حساب الشعب العراقي، مقابل مناصب سياسية».
تصف نائبة «إطارية» تصريحات العبادي بأنها دعاية مبكرة مع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات


لكنّ القيادي في «ائتلاف النصر»، سلام الزبيدي، يرى أنه «مع كلّ موسم انتخابات، هناك هجمة يشنّها الخصوم من أجل دعاية انتخابية أو دعاية سياسية أو كسب جماهيري، والآن هناك شبه حرب تصريحات ضدّ العبادي وسياسته الوطنية المعتدلة». ويبيّن الزبيدي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تصريحات العبادي لم تكن مخطّطة لاستهداف جهة معينة، ولكن كان هناك لقاء تلفزيوني، ومن خلال سؤاله عن عدم توقيعه على ورقة الاتفاق السياسي، أجاب بكل وضوح وصراحة أن عدم توقيعه يعود إلى اعتراضه على 10 نقاط أساسية، من بينها قانون العفو العام والتعويضات المالية وقانون المساءلة والعدالة». ويوضح أن «العبادي كان يقصد أن هذه الورقة إذا مُرّرت في شكلها الحالي، يمكن أن تشمل بعض المتهمين في قضايا إرهاب ومنهم قتلى داعش وعوائلهم. هو لم يقصد بالنص الصريح أن الإطار وقّع على اتّفاقية تعتبر أن قتلى داعش شهداء، وإنما تحدّث عن نصوص عامة (…)». ويرى الزبيدي أن «الإطار التنسيقي» كان موقفه جيداً في الدفاع عن البيان الذي حاول أن يستهدف العبادي، لافتاً إلى أن «الأخير جزء لا يتجزّأ من الإطار والتصريحات التي صرّح بها معروفة لدى قادته وليست بالجديدة».
في المقابل، يصف القيادي في حزب «تقدّم»، كامل الغريري، كلام العبادي بأنه «طائفي وفيه استهداف واضح للسُّنّة، فضلاً عن ظلم كبير لعوائل المغيّبين قسراً والأبرياء الذين ذهبوا خلال معارك التحرير ضدّ عصابات داعش». ويلفت الغريري، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الاتفاق السياسي الذي يدّعي العبادي أنه لم يوقّع عليه، هو نفسه جاء بالحكومة الحالية التي يترأّسها السوداني، فلذا من حق السنّة أن تكون لهم مطالب، ومنها التعويضات وإطلاق سراح المظلومين من المعتقلات والسجون». ويدعو الحكومة الحالية والبرلمان إلى «تشريع قانون العفو العام، المثبت ضمن الاتفاق السياسي، باعتباره قضية السنّة المحورية، بعيداً عن التصريحات الإعلامية التي نعرف هدفها جيداً، وهي لغرض الكسب الانتخابي وتأجيج الطائفية بين المكوّنَين السني والشيعي». ويتابع أن «هناك اتفاقاً على إقرار قانون العفو، وقد يعرضه البرلمان قريباً في جلساته»، معتبراً أن «ادّعاءات بعض السياسيين أن القانون سيمثّل عفواً عن الإرهاب والمطلوبين للعدالة غير صحيح، بل غاية تلك الادّعاءات عرقلة تشريع القانون واستهداف المكوّن السني بالكامل».
من جانبه، يرى المحلّل السياسي، علي البهادلي، أن التصعيد الذي تقوده الأطراف السياسية، ولا سيما بخصوص تصريحات العبادي، هو لغرض التسقيط الانتخابي والسياسي. ويقول البهادلي، لـ«الأخبار»، إن «الاتهامات المتبادلة بين سياسيّي السنة والشيعة، هي فقط لكسب تعاطف الجماهير مع قضاياهم، واستخدام ملفّ المغيّبين والدفاع عنهم كشمّاعة لكسب الأصوات في الانتخابات المقبلة». ويعتقد أنه «ليس فقط العبادي هو من استخدم أسلوب الهجوم، وإنما جميع القوى بما فيها المنضوية في الإطار التنسيقي، والتي تعتبر العبادي من الشخصيات غير الموثوق فيها».