غزة | نظّمت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، أوّل من أمس، عرضاً عسكرياً مهيباً ضمن فعاليات الذكرى الـ36 لانطلاقة الحركة، شارك فيه الآلاف من مقاتليها، وكشفت فيه، للمرّة الأولى، عن منظومات جديدة من الصواريخ والطائرات المسيّرة. بعد ثلاث حروب قاسية، فقدت فيها «السرايا» سبعة من أبرز قادتها العسكريين في قطاع غزة، وتبجّح قادة جيش الاحتلال عقبها بأنهم استطاعوا صناعة معادلة ردع لجمت «الجهاد» عن القيام بدورها المبادر في تسخين الميدان، وقيادة حالة الاشتباك، جاء العرض العسكري الأكثر زخماً في القطاع، منذ أكثر من 15 عاماً، ليقدّم رسالة عملانيّة مقابلة للرواية التي سعى إعلام العدو لتعزيزها خلال الأشهر الماضية. نحو 3700 مقاتل انتظموا في العشرات من المجموعات، وإلى جانبهم سارت شاحنات كبيرة، تحمل طرازات متعدّدة من الصواريخ، منها ما استُخدم في المواجهات السابقة، مِن مِثل عائلات صواريخ «براق» و«بدر» و«القاسم»، وأخرى تُعرض للمرّة الأولى كـ«جعفر»، وثالثة، بطول 7 أمتار، حملت ثلاث علامات استفهام، في إشارة إلى سرّية معلومات المدى والرأس المتفجّر. على أن المفاجأة الأبرز التي تضمّنها العرض، كانت الكشف عن مجموعة جديدة من منظومة الطائرات المسيّرة، على رأسها واحدة باسم «صياد»، تبدو شبيهة بالطائرة التي تمتلكها حركة «أنصار الله» اليمنية وتحمل اسم «خاطف»، وهي طائرة «كاميكازي» انتحارية يصل مداها إلى 25 كيلومتراً، وتستطيع القيام بمهمات الإغارة على مختلف الأهداف. أمّا الثانية في تلك المجموعة، فتحمل اسم «هدهد»، وهي أيضاً شبيهةٌ في تصميمها بطائرة «راصد» اليمنية، التي يصل مداها إلى 35 كيلومتراً، وتمتلك القدرة على التحليق في الأجواء لمدّة 120 دقيقة، بينما الثالثة تسمّى «سحاب»، وهي مسيّرة استطلاعية هجومية، بإمكانها القيام بمهمّة قصف الأهداف في عمق أراضي العدو، والعودة إلى قواعدها بسلام. وكانت «سرايا القدس» قد كشفت، في نهاية شهر نيسان من العام الماضي، عن أولى طائراتها المسيّرة، والتي حملت اسم «جنين»، ونَشرت حينها مشاهد لعمليات هجومية نفّذتها الطائرة الجديدة، وتمكّنت خلالها من قصف جيب لقوات الاحتلال على الحدود الشرقية للقطاع، قبل أن تعود إلى قواعدها بسلام.
وإلى جانب ما تَقدّم، استعرض مقاتلو «السرايا» المئات من الصواريخ المضادّة للدروع، إذ ظهر نحو 100 مقاتل وهم يحملون سلاح «RBG» روسيّ الصنع، مثبّتةً عليه أنماطٌ مختلفة من المقذوفات، بالإضافة إلى سلاحَي «الكورنيت» و«الفاغوت»، ونسخة مطوَّرة من سلاح «9K11» السوفياتي، الشهير بـ«ماليوتكا». وفيما كانت نسخ الطائرات المسيّرة الجديدة تحلّق فوق المقاتلين، واكبت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية العرض العسكري لحظة بلحظة، وأفرد الصحافيون الإسرائيليون مساحة لتحليل أنماط الأسلحة الجديدة التي ظهرت في العرض. كما ألقى مسؤول الدائرة العسكرية لـ«الجهاد»، أكرم العجوري، خطاباً نبّه فيه إلى أن «الاحتلال يخطّط ويدبّر ويتآمر في كلّ الساحات، فيما المقاومة تخطّط وتعدّ وتضرب في كلّ الساحات أيضاً»، مؤكداً أنه «لن تفلح مخطّطاتهم ومؤامراتهم المستمرّة والمستهدِفة لشعبنا ولشبابنا وحياتنا ومستقبلنا، فزمانهم أوشك على الأفول، والحلقة تزداد ضيقاً وإطباقاً عليهم، والحسم قادم بإذن الله». وتوجّه العجوري، في ختام كلمته، بالشكر إلى محور المقاومة، واصفاً هذا الأخير بـ«العزيز الشامخ بتطلّعاته الشجاعة الواثبة إلى الأمام قُدُماً، لا دفاعاً ولا تراجعاً».
بدوره، رأى القيادي في «الجهاد»، رامز الحلبي، أن الاستعراض العسكري الكبير يحمل مجموعة من الرسائل المهمّة، في مقدّمتها التأكيد أن اغتيال القيادات العسكرية التاريخية، والذي بدأ باغتيال قائد «لواء الشمال»، بهاء أبو العطا، في تشرين الثاني 2019، وانتهى باغتيال خمسة من قادة المجلس العسكري لـ«سرايا القدس» في معركة «ثأر الأحرار» في أيار 2023، لم يؤثّر على المنحنى الصاعد في تطوّر بنية «السرايا»، سواءً على الصعيد العسكري أو اللوجستي. وأمّا ثانية تلك الرسائل، فهي تحدّي الاحتلال الذي هدّد مراراً باغتيال القائد أكرم العجوري، أملاً في كسر دور «الجهاد» الطليعي في غزة والضفة الغربية المحتلّة، بحسب الحلبي، الذي أوضح أن «الجهاد تريد أن تقول إنها مستمرّة في طريقها، أيّاً كان حجم التهديدات والضغوط، وأن الاغتيالات لا تفتّ من عزيمة قادتها وجنودها».
ومن وجهة نظر عسكرية، فإن زخم السلاح المستعرَض لجهتَي الكمّ والكيف، يؤكد أن الاستفراد المستمرّ بـ«الجهاد»، لم يؤثّر على مخزونها الصاروخي وقدرتها المستمرّة على التطوير والمحاكاة، فيما تطرح بعض النماذج المعروضة أسئلة أخرى عن مدى قدرة المقاومة على تهريب ونقل منظومات الأسلحة الإيرانية والسورية إلى غزة، في ظلّ الحصار المطبق على القطاع.