الحسكة | نفّذت تركيا التهديدات التي أطلقها وزير خارجيتها، حاقان فيدان، بـ«تحويل البنى التحتية ومنشآت الطاقة التابعة لحزب العمال الكردستاني، إلى أهداف مشروعة للقوات التركية»، مطلِقةً عملية قصف جوي واسع على مواقع ومقرّات ومعامل وحقول نفطية تابعة لـ«قسد» في الحسكة وريف حلب، في إطار الردّ على تفجير مركز للشرطة التركية في العاصمة أنقرة، الأحد الماضي، تبنّاه «pkk». وشنّت الطائرات المسيّرة التركية أكثر من عشرين غارة ضدّ مناطق سيطرة «قسد»، تركّزت معظمها في محافظة الحسكة، مع استهداف منشأة لصيانة الآليات في قرية صرين، ودراجة نارية في قرية خراب عشك في ريف عين العرب. وطاول القصف أيضاً ثلاث محطات نفطية، هي السعيدة وآل القوس والزاربة، وموقعاً نفطياً في بلدتَي الجوادية والقحطانية في الريف الشمالي لمحافظة الحسكة، وموقعاً في محيط سد الجوادية، ومعملاً للدفاع في قرية تل الأحبش في ريف عامودا. كما استهدفت الغارات منشآت ومواقع وآليات في قرية مشيرفة الحمة على مقربة من القاعدة الأميركية في استراحة الوزير، ومحيط مخيم توينة، وقرى الطويلة والركبة في ريف تل تمر شمال غرب الحسكة، بالإضافة إلى محطّات سدّ الحسكة الغربي والقامشلي وعامودا للكهرباء. ويعود تركّز الجزء الأوسع من الهجمات على مناطق في محيط مدينة الحسكة، إلى نقل «قسد» غالبية المواقع والمنشآت العسكرية المهمّة إلى محيط هذه المدينة، منذ ما بعد عملية «نبع السلام» في عام 2019، لتضحي مجاورةً لقاعدة للأميركيين ومهبط لمروحياتهم في منطقة الحمة على بعد 10 كم غرب الحسكة.وأصدرت قيادة «الأسايش» الكردية بياناً أكّدت فيه أن «أكثر من 15 مسيّرة تركية اخترقت أجواء شمال سوريا وشرقها»، مشيرة إلى «مقتل 6 من عناصرها و2 من المدنيين كحصيلة أولية للهجمات». كما أفادت وسائل إعلام كردية، ومعها «المرصد السوري» المعارض، بـ«إسقاط الأميركيين طائرة مسيّرة تركية من نوع بيرقدار، أثناء تحليقها في أجواء قاعدة تل بيدر في ريف الحسكة الشمالي الغربي»، من دون أن يصدر أيّ تعليق تركي أو أميركي رسمي على ذلك. لكن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية قالت، نقلاً عن مصدر مطّلع، إن «مقاتلة أميركية أسقطت طائرة تركية من دون طيار، الخميس، بعد أن اعتبرت أنها تمثل تهديداً للقوات الأميركية في شمال شرق سوريا»، فيما أفاد مسؤول في وزارة الدفاع التركية، وكالة «رويترز»، بأن «الطائرة المسيرة التي أسقطها التحالف لا تخصّ القوات المسلحة التركية»، من دون أن يذكر الجهة التي تتبع إليها. أمّا «قسد»، فسارعت إلى إصدار بيان قالت فيه إن «جميع الادّعاءات التي يسوقها الأتراك حول مرور منفّذي هجوم أنقرة أو استخدامهم مناطقنا غير صحيحة ومكرّرة»، معتبرةً إياها «استكمالاً لحلقة الاتهامات الباطلة التي لطالما انتهجتها تركيا في المدة الماضية للفت الأنظار، والتمهيد لارتكاب جرائم جديدة». واتهم القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، بدوره، في تغريدة عبر منصة «إكس»، تركيا، بـ«البحث عن ذرائع لشرعنة هجماتها المستمرّة على مناطقنا وشنّ عدوان جديد، وهذا ما يثير قلقنا العميق».
ثمّة توقعات بتحركات برية تركية ضد مناطق سيطرة «قسد»


والواقع أن القصف التركي انتقل بالفعل إلى مرحلة جديدة، كونه بات يطاول المنشآت الحيوية والاقتصادية والبنى التحتية المدنية، التي تديرها كلّ من «قسد» و«الإدارة الذاتية»، فضلاً عن المقرّات والآليات العسكرية، وذلك بهدف إضعاف قدرتهما، وضرب الاقتصاد في المنطقة. أيضاً، ظهر هذا التوجه عبر تأكّد إخلاء «قسد» النقاط العسكرية كافة في حقول النفط والغاز الأساسية في كلّ من «العمر» و«كونوكو» و«التنك» و«رميلان»، بعد تلقيها إخطاراً باعتزام الأتراك قصف المنشآت والحقول النفطية الحيوية في كلّ من الحسكة ودير الزور. والظاهر أن الأتراك يعتزمون تطوير الهجوم الجوي إلى هجمات برية جديدة على مناطق سيطرة «قسد»، وفقاً لما كشفه مصدر في وزارة الدفاع التركية لـ«رويترز»، قائلاً إن «شنّ عملية برية تركية في سوريا، من بين الخيارات من أجل ضمان أمن الحدود، وهناك خيارات وبدائل أخرى».
وفي السياق نفسه، تؤكد مصادر ميدانية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قسد تفاجأت بسرعة تطبيق أنقرة تهديداتها بشنّ هجمات جوية واسعة على حقول النفط والغاز والمنشآت العسكرية والخاصة بالطاقة»، لافتة إلى أن «كلّ المؤشرات تدلّ على عدم تلقّي قسد أيّ إخطار من الأميركيين الذين وقعت الغارات في مناطق نفوذهم، في إمكانية وقوع مثل هذه الهجمات». وتوضح المصادر أن «إسقاط واشنطن لطائرة مسيّرة من نوع بيرقدار، كان نتيجة تحليقها في منطقة لم يتمّ الاتفاق عليها بين الطرفين، لتكون ضمن نطاق الاستهداف التركي»، لافتةً إلى أن «أنقرة استنفرت كافة الفصائل المسلحة التابعة لها في مناطق نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات، للتجهيز لشن عملية برية في أيّ لحظة».
إزاء ذلك، طالبت «الذاتية»، في بيان، «كلّاً من التحالف الدولي وموسكو باتخاذ مواقف رادعة للتهديدات التركية على مناطقنا»، محذّرة من «تأثير الهجمات التركية في عمليات مكافحة داعش». أما «قسد»، فطالبت «المجتمع الدولي بالتحرك ضدّ الاتهامات والتهديدات التركية قبل فوات الأوان». ووفق مصادر مطلعة، فإن «الزخم الكردي في إصدار البيانات المتزامنة ناتج في الغالب من تلقّي معلومات عن تهديدات تركية جدية بشنّ عملية برية ضدّ مناطق سيطرة الأكراد». وتفيد المصادر بأن «التقديرات الأولية تشير إلى نوايا تركية بشنّ هجوم على منبج وتل رفعت في ريف حلب الشمالي والشرقي، وبلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي»، مستدركةً، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «التحرّكات البرية التركية ستبقى مرهونة بقدرة الأتراك على الحصول على ضوء أخضر أميركي وروسي لشنّ هذا الهجوم»، متوقّعةً أن «تواجه أنقرة صعوبة في الحصول على هذه الموافقة، في ظلّ الحرص الأميركي على الحفاظ على الشراكة مع قسد وارتباط ذلك بملفّات المخيمات ومعتقلي داعش، والرغبة الروسية في إنجاز مصالحة مع دمشق، وهذا ما سيعطّل هذا الملفّ لمدة طويلة، في حال وقوع الهجوم بالفعل».