لم يُخيّل للإسرائيليين - حتى في أفظع كوابيسهم - أن ينقلب «أروع» أيام اللوح العبري «سمحاة توراة» (بهجة التوراة)، إلى جاثوم يقطع الأنفاس؛ فلا شيء على الإطلاق سيوقظهم من هَول الصدمة التي أقعدتهم مشدوهين أمام انهمار المقاومين من السماء، قبل أن يتدفّق عليهم طوفان الأجساد من حصون شُيّدت على عظام الفلسطينيين، لضمان أمن وأمان المستوطنين في الجنوب. هكذا، استحال العيد الذي يطوفون فيه حول مدار الآباء الأوّلين فرحاً، إلى متاهة من الثقوب السوداء، حاصرهم فيها المقاومون الفلسطينيون قبل أن يُجهزوا على المئات منهم، في الطرق، وفي داخل البيوت، والملاجئ، والقواعد العسكرية، آسرين المئات ممّن عادوا بهم للطواف في طرق العيد الحقيقي، في غزة، هُناك حيث شهق المحاصَرون منذ ما يقرب العقدَين، من البهجة التي حلّت عليهم.

منذ «صبحية» العيد، وصرخات ذوي المستوطنين القتلى، والمفقودين، والأسرى الذين ظهروا في مقاطع مصوّرة لا تتوقّف عبر شاشات التلفزة الإسرائيلية: «أين الحكومة؟! أين الجيش؟! لماذا لا يتحدّث إلينا أحد؟». مئات من الغاضبين الحزانى، والقليلي الحيلة، قالوا إنهم فقدوا الثقة بجيشهم وحكومتهم، بعدما تركوهم يُقتلون كخرافٍ سيقت إلى مذبح، لا بل إن بعضهم أَعدّ مجموعات عبر تطبيقات إلكترونية مختلفة للتواصل مع الآخرين، ونَشْر صور وأخبار المفقودين، بعدما انهارت مؤسّسات الدولة وعجزت عن التواصل معهم، إلى حدٍّ دفع مذيعةَ إحدى القنوات العبرية إلى القول بكلّ يأس لإحدى الأمّهات: «اتّصلي بالشرطة إذاً»، لتجيب المُتصلة: «لقد اتصلت بالفعل، لكنّ أحداً لا يجيب على الهاتف!».
مع تدفّق الصور والمقاطع، والتقارير الصادمة، انهالت ردود الإسرائيليين الغاضبة؛ فعلّق أحدهم على تقرير نشره موقع «ماكو» العبري، حول تفاصيل ما حدث في مركز الشرطة الذي سيطرت عليه المقاومة في «سديروت»، قائلاً: «ذهبت الدولة! نحن لسنا جاهزين للحرب. كل شيء مستباح هنا! لا يُصدّق أن 20 سيارة «طندر» وصلت من غزة حتى «سديروت»، وسارت مسافة يَستغرق قطعها 20 دقيقة من دون أن يوقفها أحد! لماذا لم تقصفها طائراتنا؟ نريد استعادة الردع، فَلْنَقتل كل الأسرى الفلسطينيين في سجوننا!!».
أمّا الشعور المشترك لدى مستوطني الجنوب، فقد اختصره المستوطن، أفيراي ليفي، بكلمة «هُفكارنو» أي «تمّ التخلّي عنّا»، وهو ما قاله أيضاً عشرات من مستوطني «كفار عزّة» الذين أَرسلوا رسائل عبر تطبيق «واتسآب»، قالوا فيها: «لم يصل إلينا أحد. نحن هنا وحدَنا! لقد تركونا! الكهرباء مقطوعة في الملاجئ وبطاريات هواتفنا شارفت على النفاد»، فيما وصف المستوطن، كفير شلومو، ما حدث في مستوطنات الجنوب بأنه «شوآه»، أي «المحرقة النازية»، قائلاً إن لا كلمة بديلة قد تصف ما حصل. أمّا المُلازمة، نعمة بوني (19 عاماً)، في «الكتيبة 77» لسلاح المدفعية، فأرسلت صبحية السبت قبل أن تُقتَل رسالة إلى أصدقائها، قالت فيها: «أحببتكم بالفعل. لدينا جريح هُنا أصيب برأسه، هناك مخرّب (مقاوم) أَطلق عليه النار، وسيطلق النار عليّ أيضاً. معي جندي من غولاني، وأعتقد أنه قُتل... لا يوجد معنا قائد». وأرسلت كذلك مقطعاً صوّرته بنفسها من داخل ما يبدو أنه أحد المعسكرات حيث كانت تتواجد، وسُمع صوتها في الخلفية، وهي تصرخ «إيما إيما (أمّي أمّي)» مرتعدة وباكية. أمّا المستوطنان شلي وملخي وشم طوف، فاكتشفا أن ابنهما، عومر، الذي كان يمرح في «حفلة الهذيان الصحراوي» في كيبوتس «ريعيم» في النقب، أسير لدى المقاومة، فقط بعد ظهوره في أحد المقاطع المصوّرة والمنتشرة على الشبكة. وأقرّا بأنهما تعرّفا إليه حيث ألقاه المقاومون على الأرض كما ظهر في المقطع، وأشارا إلى أن «أحداً من المسؤولين لم يتواصل معهم... نحن في كارثة». عومر هذا حالفه الحظّ بالبقاء على قيد الحياة، ولو أسيراً، فقد كشفت مقاطع فيديو آلاف الإسرائيليين الذين كانوا يرقصون منتشين في الحفلة، قبل أن يحطّ عليهم عشرات المقاومين الذين تساقطوا بمظلّات من السماء، فيهرب المئات من المحتفلين هائمين راكضين في الصحراء، فيما يُجهز المقاومون على مَن تبقّى منهم؛ إذ عثرت الشرطة الإسرائيلية ظهر أمس، على 240 جثة على الأقلّ من بين مئات لا يزالون مفقودين بعد حفلة الهذيان.
تبيّن أن الحكومة الأكثر تطرّفاً وصهينة في تاريخ إسرائيل، ضعيفة وجوفاء وفاشلة


«صحيح أن حماس كانت ستشنّ هجوماً حتى لو لم تكن لدينا أزمة الانقلاب القضائي، ومع ذلك فثّمة شكّ إنْ كُنّا سنصدّق أن إسرائيل ضعيفة إلى هذا الحدّ لولا هذا الهجوم المباغت والكارثي!»، كتب صحافي ومراسل في «القناة 13»، في موقع «واينت»، مضيفاً: «للأسف الشديد، انكشفنا أمس على كثير من الحقائق حول أنفسنا. لقد أدركنا أن سلاح استخباراتنا الذي استثمرنا فيه مليارات الشواكل على مرّ السنوات، والذي يُعدّ دُرّة العقل الإسرائيلي، الذي منه نبتت صناعة الهايتك، لم ينجح في إمداد إسرائيل بالأمر الأكثر أهميّة على الإطلاق: التحذير! التحذير من الضربة الإستراتيجية. وهكذا، بعد 50 عاماً من مفاجأة أكتوبر، وبعد الفشل المرعب آنذاك، ها هو جهاز الاستخبارات يفشل فشلاً ذريعاً مرّة أخرى». وتابع :«أمام جبهة بسيطة مقارنة بجبهات أخرى، مكشوفة وقريبة إلينا، أَثبتت إسرائيل أنها عمياء تسير في الظلام. كيف يمكن بعد هذه الحقيقة الوثوق بتقديرات الاستخبارات - في ما يتعلق بإيران وحزب الله وغيرهما - خصوصاً بعد نجاح عدوّنا اللدود محمد الضيف، بخداع جهاز الاستخبارات إلى هذا الحدّ؟». وتساءل: «هل يُعقل أن جيشنا العظيم، أحد أقوى الجيوش في العالم، لم يتمكّن، حتى بعد مضيّ ساعات، من الوصول إلى كلّ نقطة يسيطر عليها المخرّبون، حتى وإنْ كانت السيطرة على نطاق واسع؟ لا نقول لماذا لم يتمكّن من القضاء عليهم، ولكن فقط لماذا لم يبادر في الوصول إليهم ويفتح النار؟ وبغضّ النظر عن الخسائر الجسيمة في الأرواح، من غير الممكن إلّا أن نفكر بعد اليوم في عدد الإسرائيليين الذين سيُقتلون، لأن أعداءنا الألداء من طهران وصولاً إلى بيروت، كشفوا حقيقة ضعفنا». وأضاف: «تحدّثت، أمس، إلى مسؤول رفيع له تجربة واسعة في المجالَين الأمني والعسكري. لقد كان في صدمة جرّاء ردّ الفعل والسلوك الذي أبدته منظومة الأمن والحكومة». وأوضح: «لقد قال لي المسؤول إنّنا في وضع طوارئ مثل هذا لا نقوم بتخطيط معقّد، فقط نرسل القوات لتشتبك مع المخرّبين في كلّ مستوطنة، وكل نقطة. كان عليهم إرسال الفرق التي تتدرّب حالياً في الجولان. ليحضروا فايكينغ من الحراس المدنيين. أيّ شي. ما الذي حدث لهم؟ لماذا لم يفهموا أن عليهم تفعيل القوّة بكثافة وأعداد كبيرة؟»