غزة | «تركّز هجماتنا على إلحاق الضرر وليس على الدقّة». يُعبّر هذا التصريح المنقول عن ناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن المنهجية المتّبعة حالياً. المئات من المنازل، بل مربّعات مدنية بأكملها، تُسوّى بالأرض. حي الرمال، أرقى أحياء مدينة غزة وواجهتها الحضارية، دُمّرت مساحات واسعة منه بواسطة الطائرات الحربية، طوال ليل أول من أمس. كذلك كانت الحال في أحياء العامودي والتوام والأميركية، غرب مدينة بيت لاهيا شمال القطاع. تحوّلت تلك أيضاً إلى أرضٍ محروقة بالكامل. وهذا كلّه كان وسط حركة نزوح عشوائية وغير منظّمة من قبل مئات الآلاف من المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى، فاندفعوا إلى مدارس «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، التي أخلت مسؤوليتها عن رعايتهم.في منطقة الفاخورة في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، تحوّلت «مدرسة الفاخورة» التي لا تتجاوز مساحتها الدونمين، إلى ملجأ تكدّس فيه الآلاف من سكان مدينة بيت حانون وبيت لاهيا والقرية البدوية، حيث تحوي كل حجرة دراسية عدة عائلات كبيرة. يقول محمد أبو إسكندر، وهو نازح من مدينة بيت حانون، إن «المياه فُقدت منذ الساعات الأولى، ولم تبادر أي جهة حكومية أو دولية لتأمين الأهالي»، ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هناك أزمة نظافة حادّة، وأزمة غذاء. جميع الناس خرجوا من بيوتهم بما عليهم من ملابس، ولم يستطيعوا جلب أموالهم ولا غذائهم من بيوتهم، وهم الآن في انتظار من يرعاهم».
أما في «مدرسة بيت لاهيا للاجئين»، فقد بدا الأمر مأساوياً، حيث لم تكفِ الفصول الدراسية لاستيعاب العدد الهائل من النازحين، فافترش المئات باحة المدرسة. ويقول أبو أحمد جراد، وهو رجل مسنّ نزح برفقة عائلته من القرية البدوية، لـ«الأخبار»، إن «القصف بدأ من دون إنذار. هربنا في مسير بشري طويل يشبه هجرة النكبة عام 1948. وجدنا باب المدرسة مقفلاً، فكسرناه ودخلنا، وحتى اللحظة نقتسم رغيف الخبز. لا طعام ولا مياه ولا دواء ولا حليب للأطفال (...) أسرتي تتكوّن من 10 أشخاص، بيننا مرضى وأطفال. نحن في وضع لا يعلم به إلا الله».
في البيوت التي لم يغادرها سكانها، تبدو الأوضاع صعبة أيضاً، إذ تحوّلت الشقق السكنية الصغيرة، إلى ملاجئ، استضاف فيها الأهالي أقرباءهم. في منزل عائلة أبو محمد المصري، الذي استضاف بناته الخمس مع عائلاتهن، يضجّ البيت الذي لا تتجاوز مساحته الـ100 متر مربع، بأكثر من 60 فرداً. وفيما لا تصل الكهرباء إلى المنازل أكثر من 3 ساعات في كل 24 ساعة، انقطعت المياه التي تُضخ إلى البيوت عبر مضخّات كهربائية. يقول أبو محمد: «على رغم الضغط الكبير، نحن نتدبّر أمورنا، فالخير موجود، لكننا بحاجة إلى كهرباء ومياه كي نستطيع ممارسة حياتنا بأدنى المستويات الطبيعية».
جيش الاحتلال: هجماتنا تركّز على إلحاق الضرر وليس على الدقّة


على أن الفاجعة الكبرى، تتجلّى في المستشفيات الحكومية في القطاع، حيث تضيق ثلّاجات الموتى بالمئات من جثامين الشهداء. ثلّاجة «مستشفى الشفاء» مثلاً، الأكبر في القطاع، تزدحم أرضيتها بأكثر من 70 جثمان شهيد،إذ كثير منها مشوّهة ولم يستطع أحد التعرف إلى هوية أصحابها. يقول الطبيب محمود أبو جميل إن «المستشفى ليس مؤهّلاً لاستقبال هذا الكم الهائل من الشهداء. عشرات الجثامين لم يتعرّف إليها أحد، وتشغل مساحة في ثلّاجة الموتى، فيما تصل في كل دقيقة مجموعات أخرى من الشهداء». وفي قسم الطوارئ والاستقبال في «المستشفى الإندونيسي» شمال القطاع، تكدّس المئات من الجرحى على أرضية المستشفى، إذ لا يتوفر في القسم سوى عشرين سريراً مجهّزاً لاستقبال الجرحى. ويصف فنّي الأشعة، محمود أبو عمر، المشهد، لـ«الأخبار»، بالقول إنه «نتيجة مجزرة جباليا، وصل إلى المستشفى أكثر من 100 حالة بين شهيد وجريح في غضون 10 دقائق. لا يمكن لأيّ منظومة صحية في العالم التعامل بشكل إيجابي مع هذا العدد الهائل من المصابين». أما عن نوعية الإصابات، فيقول أبو عمر إن «الإصابات غالبيتها بالغة، بسبب استخدام القنابل الكبيرة، كما أن هناك تشوّهات وكسوراً بالغة في معظم المصابين، نتيجة انهيار المنازل على رؤوس سكانها».
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت أن قوات الاحتلال استهدفت بشكل مباشر سبعة مراكز صحية، أبرزها «مركز حيدر عبد الشافي الصحي»، و«مركز شهداء الرمال»، ومقر وزارة الصحة، و«مستشفى بيت حانون الحكومي»، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة. كذلك استهدفت قوات الاحتلال أحد مرافق «مستشفى الشفاء»، ما أدّى إلى تدمير غرفة الحضانات والأطفال الخُدّج. وقال الناطق باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، في بيان إن «قوات الاحتلال استهدفت 11 سيارة إسعاف، وقضى الطبيب سائد درابيه شهيداً (...) تعاني مؤسسات صحية من نقص حادّ في المستهلكات الصحية. المستشفيات في وضع كارثي للغاية».
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن فرض حصار شامل على القطاع، ومنع إدخال أي نوع من المساعدات إلى القطاع. كذلك، قصفت قوات الاحتلال معبر رفح البري، فيما أبلغت السلطات المصرية الطاقم الفلسطيني في معبر رفح، بضرورة إخلاء المعبر تمهيداً لقصفه. وذكرت «القناة 12» العبرية أن إسرائيل بعثت برسالة إلى مصر، أبلغتها فيها بأنه في حال أرسلت الإمدادات إلى القطاع، فإن الطائرات الإسرائيلية ستقصفها.