القاهرة | تواصل المؤسسات الثقافية الرسمية في مصر الانفصال عن الواقع، وما يجري من أحداث مهما كانت مفصلية. تقود هذا الانفصال وزارة الثقافة أو «ثقافة نيفين الكيلاني» التي تريد أن تعزف البيانو على وقع ما يحدث في غزة من قتل وترويع للفلسطينيين من قبل المحتلّ الإسرائيلي. ويبدو أن الوزارة تحتاج إلى من يوقظها من سباتها العميق، ليخبرها أنّ الإعلان عن أجندة «مهرجان الموسيقى العربية» أمر لم يكن مناسباً للأحداث الجارية، حتى وإن كان المهرجان سيبدأ بعد تسعة أيام.في مؤتمر نظمته دار الأوبرا المصرية، أُعلن أخيراً عن تفاصيل مهرجان و«مؤتمر الموسيقى العربية» في دورته الـ32، بحضور رئيس الأوبرا خالد داغر، ورئيس الدورة المقبلة من «مهرجان الموسيقى»، هاني فرحات. علماً أنّ فعاليات المهرجان تنطلق يوم 20 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي حتى الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) ويضم 38 حفلة غنائيةً بمشاركة 120 فناناً و5 جلسات علمية بمشاركة 61 باحثاً وصاحب تجربة موسيقية من 18 دولة عربية وأجنبية.
وأشار بيان المهرجان الصادر عن دار الأوبرا، إلى أن هناك مشاركة عربية في مؤتمر الموسيقى (جزء علمي من مهرجان الموسيقى مختص في الأبحاث العلمية في مجال الموسيقى) من ضمنها دولة فلسطين، من دون أن يؤكد على هذه المشاركة أو ينفيها مع تطور الأحداث في غزة كل ساعة تقريباً.

ملصق يعود إلى عام 1970 للفنان الفلسطيني الراحل إسماعيل شموط

لم تحضر فلسطين في المؤتمر الصحافي ولو بكلمة على المنصة. فالنظام المصري يريد وأد الثقافة بمعناها الواسع وحصرها بالدور العادي لوزارة الثقافة من مهرجانات وندوات، وخصوصاً أنّ التظاهرات المناهضة للرئيس السابق محمد مرسي بدأت باعتصام لمثقفي مصر. هكذا، باتت دار الأوبرا المصرية، التي تعتبر أبرز معالم وزارة الثقافة المصرية، تهمّش أي حدث ذي طابع سياسي، وهو ما شاهدناه في ذكرى «ثورة يوليو» الماضية، ومئوية سيد درويش باعتباره صوتاً فنياً سياسياً مهماً في التاريخ الغنائي المصري والعربي، وبالطبع لم تكن احتفالات خمسينية «نصر أكتوبر» بعيدة عن هذا التهميش.
المتابعون لنشاط وزارة الثقافة، تذكروا مواقف عدة لوزيرة الثقافة السابقة إيناس عبد الدايم (2018-2022)، التي جعلت الوزارة تشارك في الأحداث السياسية والعربية، بل «أقلّه كانت تعلن الحداد» كما وصف أحد المعلقين ما يحدث في وزارة الثقافة لـ«الأخبار». ويستعيد ما فعلته الوزارة حين قتل 21 مصرياً في ليبيا (2015)، وفي مواقف أخرى. لكن وزارة الثقافة مع نيفين الكيلاني بعيدة كل البعد عن أي أحداث تحتاج إلى المؤازرة. وقد نظمت عبد الدايم مثلاً احتفالية «إلا فلسطين» عام 2021 على مسرح دار الأوبرا التي شهدت مؤتمر الإعلان عن مهرجان الموسيقى في نفس توقيت القتال المستمر في غزة! وقتها اعتبرت الوزيرة السابقة أنه يجب «استثمار القوى الناعمة بكل صورها كأحد الأساليب الفاعلة لمساندة ودعم القضية الفلسطينية»، مشيرة إلى أن الثقافة والفنون من أهم الأدوات الفاعلة والمؤثرة في وصول رسالة الشعب الفلسطيني للعالم باعتبارهما من الوسائل التعبيرية المهمة.
وفي ما يبدو أنه اتساق مع عدم التوقف عن الاحتفال مهما كان ما يحدث في غزة، امتدت الاحتفالات المستمرة إلى مَعلم ثقافي مصري آخر هو أهرامات الجيزة، إذ قوبلت احتفالية حصول مصر على الشهادة الذهبية لإكمال مسار القضاء على التهاب الكبد «الفيروسي سي» التي أقيمت مساء الإثنين الماضي عند سفح أهرامات الجيزة، باستهجان كبير. احتفالية حضرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وعدد كبير من وزراء الحكومة المصرية الحاليين والسابقين، مع وفد من منظمة الصحة العالمية ترأسه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس. خلال اللقاء، دخل وزير الآثار الأسبق زاهي حواس في شرح مستفيض عن الطب في مصر القديمة!
اعتبرت منشورات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ 7 أكتوبر 2023 عيد جديد في رزنامة المصريين


اللافت أن هناك تناقضاً واضحاً بين التوجه الشعبي، وبين ما تقوم به أجهزة الدولة في هذا الصدد، فهناك سعي لتغييب أي حدث ليس له علاقة بالانتخابات الرئاسية. على مدار الأسابيع الماضية، كنّا قد شاهدنا سلسلة من الاحتفالات التأييدية للسيسي تصدرها كبار النجوم، حتى إنّ ذكرى أكتوبر نفسها استُغلّت من أجل هذا الأمر وتحولت كل احتفالاتها إلى مهرجانات تأييد للرئيس من أجل الترشح مرة ثالثة. وهو ما حدث بالفعل وكان متوقعاً بينما يحفل الشارع المصري بالحديث عن أمجاد المقاومة الفلسطينية. واعتبرت منشورات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ 7 أكتوبر، يوم إطلاق «كتائب القسام» عمليّة «طوفان الأقصى» وأسر عدد من الإسرائيليين عيد جديد في شهر أكتوبر.
وبعيداً عن مصر الرسمية واحتفالاتها المستمرة، غرد الأزهر الشريف وحيداً في مصر، فقد أصدر بياناً يؤيد ويفخر بالمقاومة الفلسطينية «الأبية»، مطالباً العالم كله والمجتمع الدولي بـ«النظر بعين العقل والحكمة في أطول احتلال عرفه التاريخ الحديث، احتلال الصهاينة لفلسطين». واعتبر الأزهر أنّ ما فعله الفلسطينيون يوم 7 أكتوبر قد «بثّ الروح والثقة وأعاد لنا الحياة بعدما ظننا أنها لن تعود مرة أخرى».