«في الطريق إلى الحرب البرية»؛ هكذا عنونت الباحثة الصهيونية، بنينا شوكر، من «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن (JISS)»، مقالةً لها في صحيفة «إسرائيل اليوم»، ناقشت فيها فكرة «اللامناص من الغزو البري»، معتبرةً أنه على الرغم من أن الإحجام عن الشروع في غزو غزة برّاً «ظلّ سمة ثابتة في سياسة استخدام القوّة التي تنتهجها إسرائيل في العقود الأخيرة»، وأن «الخوف من التمرّغ في مستنقع غزة ظلّ مبرراً حتى يوم السبت المنصرم»، يبدو هذه المرّة أنه «لا مناص من الحرب البريّة؛ حيث ينعكس ذلك في رغبة المستوى السياسي، ومن خلال التجنيد الواسع والمكثّف لقوات الاحتياط، والتقارير التي أفادت بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أبلغ الرئيس الأميركي، جو بايدن، بنيّته القيام بذلك». والسبب وراء ذلك، وفق ما تقول، هو أن الهجوم القاتل والساحق يوم السبت، كشف حقيقة مفادها أنه «في الأوقات الصعبة، ينبغي التصرّف بحزم».ووفق الباحثة، ثمّة محرّكات عديدة تدفع في اتّجاه هذا المسار؛ أولها: المستوى الاستراتيجي، إذ «ثبت، في ضوء التجربة الماضية، أنه ليس في الإمكان تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة عبر القصف الجوي فحسب، وأنه لا بديل من احتلال الأراضي لضبط حركة المرور منها وإليها. وعلى رغم أن إطلاق سراح الأسرى في عملية عسكرية بريّة يبدو، في الوقت الحالي، سيناريو غير محتمل، إلّا أن السيطرة على الأملاك والمواقع الأساسية التابعة لحماس، ممكن فقط في إطار عملية برّية، وهو ما من شأنه أن يمثّل ورقة ضغط في المفاوضات مع الحركة».
وعلى مستوى ما سمّته «الغايات الأخلاقية»، يصبح الغزو البرّي مطلوباً عمليّاً، ومدفوعاً به، من أجل «إحقاق إنجازات عسكرية كبيرة لِما في ذلك من تأثيرات حاسمة على استعادة الروح القومية المهشّمة وثقة الجمهور بمؤسّسة الجيش». وبحسب الباحثة، فإنه «لا داعي لاستطلاعات الرأي لقياس المزاج العام في إسرائيل؛ حيث يسود الحزن العميق، والاشمئزاز، والعجز، وأزمة الثقة في الجيش... فالجمهور يطالب بأن يلمس قوّة وانتعاشة في القدرات القتالية البرية للجيش من جهة؛ ومن جهة ثانية، يطالب بسحق حماس حتى النخاع».
أمّا المحرّك الثالث للغزو البرّي، فهو «الدوافع الردعية»، إذ إن «أولئك الذين يترقّبون خطوة إسرائيل التالية، مِن مِثل إيران وحزب الله والضفة، سينظرون إلى الغارات الجوية على أنها ردّ فعل متساهل تجاه أعداء إسرائيل، ما قد يدفعهم إلى الانضمام إلى الحرب». وعلى رغم أن «الكلفة البشرية للعمليات البرية ستكون باهظة جداً، وبعيداً عن التحدّي المتمثّل في القتال في واحدة من أكثر المناطق السكنية كثافة في العالم، يمكن الافتراض أن حماس استعدّت لاحتمال حدوث غزو برّي إسرائيلي للقطاع، وقد أعدّت بالفعل "حفل استقبال" لقوات الجيش الإسرائيلي من تحت الأرض، ومن فوقها... ولكن يبدو أنه لا مفرّ، وخصوصاً أنه في ظلّ الشرعية الداخلية والخارجية تكمن فرصة أمام إسرائيل لتحسين وضعها المُزري».
وفي الاتجاه نفسه، رأى المحلّل العسكري لصحيفة «معاريف»، طال رام - ليف، أن «على هذه الحرب ألّا تنتهي بأقلّ من إسقاط حكم حماس»، مشيراً إلى أن الضربات الجوية التي تشارك فيها حوالي 60 طائرة حربية في كلّ هجوم، «ما هي إلّا تمهيد لاجتياح برّي إنْ تقرَّر تنفيذه»، لافتاً إلى أن «الدمار (وعدد الشهداء) في قطاع غزة سيكون مهولاً»، لكن «اختبار الجيش الإسرائيلي سيكون بتحقيق إنجازات عسكرية تؤدي بالفعل إلى الإضرار بقدرات حماس». أمّا بالنسبة إلى المستوى السياسي، فيواجه تحدّياً لناحية الخطاب الموجّه إلى الحركة، ومفاده بأن «الوضع لن يبقى مثلما كان، فلذلك أهميّة عسكرية وسياسية مستقبلاً»، لأنّ «على إسرائيل إنهاء هذه الحرب بشكل تصبح معه حماس غير قادرة على إدارة الحكم أو القدرات العسكرية»، فيما سؤال «مَن سيحكم غزة بعد حماس، لم يَعُد ذا علاقة بالواقع».
الهجوم القاتل والساحق يوم السبت كشف حقيقة مفادها أنه «في الأوقات الصعبة ينبغي التصرّف بحزم»


بدوره، يكتب البروفيسور آشر كوهين، الباحث في العلوم السياسية، والمحاضر في جامعة «بار إيلان»، «أطروحة» مغمّسة بالدم، ومشبعةً بدوافع الانتقام والنزعة العنصرية والفوقية والرغبة في سحق الشعب الفلسطيني، معتبراً أن ما حصل يوم السبت «ينبغي أن يُردّ عليه بطريقة تكوي وعي الفلسطينيين، وتجعلهم يختلقون مصطلحاً جديداً لوصف ما سيحلّ بهم، وينبغي أن يكون هذا المصطلح "كارثة 2023" التي ستصطفّ إلى جانب أخواتها "النكبة" و"النكسة"»، لا بل هو لفت عناية قرّائه إلى أن مصطلح كارثة مشتقّ من جذر «كارات» العبري، العائد إلى «عقاب توراتي بالبتر ويُنفذ على 36 خطيئة». وفي مقالته التي نشرها في موقع صحيفة «إسرائيل اليوم»، دعا آشر، الجيش الإسرائيلي، إلى توجيه ضربة قاضية وساحقة وفظيعة إلى مَن سمّاهم «حيوانات الغابة» التي «تترقّب بتوتّر شديد ردّ سكان الفيلا»، معتبراً أن «إسقاط حكم حماس أصبح هدفاً واضحاً وبديهيّاً لا بدّ من تحقيقه، لكنه لن يكون كافياً؛ إذ يجب التركيز على الطريقة التي سيتم بها ذلك، لأنها الأكثر أهميّة في سياق حرق وكيّ الوعي». ويضيف إنه «ينبغي جعل الكيلومترات المربعة في غزة مثل خانيونس ورفح... مسطّحة، مع إظهار صور لها قبل وبعد، وأن يُفعّل القصف من دون إنذارات مبكرة؛ حيث سيؤدي ذلك إلى إنتاج قوافل من عشرات آلاف الأشخاص الهاربين بذعر نحو السياج الحدودي في اتّجاه مصر، وذلك بالتوازي مع قطع المياه والكهرباء والوقود والغذاء...». وفي هذا السياق، فإن تداعيات الفظائع التي يدعو إليها «ليست مهمّة»، ولكن «المهمّ هو أن يتذكّر الجميع قصف درسدن»، في إشارة إلى المدينة الألمانية التي قصفتها قوات الحلفاء إبّان الحرب العالمية الثانية، وخلّفت عشرات آلاف القتلى المدنيين الألمان. وختم دعوته بضرورة ارتكاب ما يوازي «مذبحة كيشينيف اليهودية... فلا ينبغي أن يكون لدى الفلسطينيين مصطلح بديل من كارثة 2023»، لوصف ما سيحلّ بهم.
وعلى رغم حماسة آشر النابعة بلا شكّ من الإذلال الذي تعرّضت له إسرائيل يوم السبت - وكلمة إذلال بالمناسبة، تنهمر على الشاشات الإسرائيلية هذه الأيام مثل زخات المطر -، رأى المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن إسرائيل تجد نفسها إزاء «مصيدة»، بعدما «تلقّت ضربة شديدة بالهجوم الواسع والمباغت الذي شنّته حماس»، لافتاً إلى أن الخروج من تأثير ذلك «سيستغرق وقتاً»، فضلاً عن أنه «من دون أدنى شك غيّر إلى الأسوأ، ميزان الردع والاستقرار الإقليمي». ومع إقرار المحلّل بأن الردّ «العسكري الإسرائيلي بديهي، وسيتمثّل في ممارسة قوّة غير مسبوقة في بيئة مدنية، فإنه ليس واضحاً ما هي حدود القوّة التي ينبغي أن تستخدمها إسرائيل، أو مدّتها، من أجل الانتصار على حماس وردع حزب الله لفترة طويلة». وبحسب هرئيل، فإن «إسرائيل لم تقرّر ما هو الهدف، وما الذي تحاول تحقيقه من هذه الحرب. فهل هو سحق القدرات العسكرية؟ أم إسقاط حكم حماس الذي يستوجب احتلال القطاع؟»، مدّعياً بأن «هذا التوجّه لم يكن وارداً في الخطط العسكرية في الماضي». وفضلاً عن ذلك، «ثمّة خلاف بين قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول ما إذا كانت عمليّة عسكرية شديدة للغاية ضدّ غزة قد تردع حزب الله عن الانضمام إلى الحرب»، متسائلاً ما إن كان «اجتياح إسرائيلي واسع للقطاع سيحقّق الانتصار، أم سيقود إلى التورّط؟ وفي ضوء ذلك، ما إنْ كان حزب الله سيستغلّ الانشغال في الجنوب لفتح جبهة أكثر صعوبة في الشمال؟».