غزة | غادر أكثر من 250 ألف نازح فلسطيني الأحياء التي يسكنون فيها في قطاع غزة، عقب ليلة شديدة القسْوة من القصف، عاشتها مناطق السكة وزمو وشعشاعة وتل الزعتر، شرق مخيم جباليا شمالي القطاع، والكرامة والعامودي وأبراج المقوسي جنوب غربي القطاع، والمناطق الشرقية من مدينة رفح، والغربية من مدينة خانيونس، فضلاً عن قصف المئات من المنازل على امتداد غزة. ومع توقّف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل ظهر أمس، دخلت هذه البقعة المحاصَرة في مستوى جديد من التأزم الإنساني. وواصلت الطائرات الحربية الإسرائيلية، منذ ساعات المساء الأولى من الثلاثاء وحتى صباح أمس، قصفها للمناطق المذكورة، فيما كشف الخروج في جولة في مختلف مناطق غزة، حجم الضغط الذي يعيشه الأهالي، إذ إن مئات الآلاف من المواطنين يخلون أحياء بأكملها، بعد تهديدها بشكل رسمي، أو مخادع من خلال قيام المستوطنين بالاتصال بأحد من سكانها بشكل عشوائي، مدّعين أنهم من «جيش الدفاع» لإنذار الغزّيين، والطلب إليهم مغادرة منازلهم وأحيائهم قبل قصفها، ما أدّى إلى ضياع المواطنين ما بين الحقيقة والعبث. لكنّ الغالبية من المدنيين وجدت أن الخروج إلى المجهول، يبقى الخيار الأسلم، بعد تجارب دامية عايشها سكان الأحياء المشار إليها آنفاً.
في الأحياء شبه الآمنة، والتي تحوّلت منازلها إلى ملاجئ تتكدّس فيها العشرات من العائلات النازحة من المناطق المدمّرة، لم تكفّ طائرات الاحتلال عن صناعة مسلسل الرعب نفسه. في وسط حي الشيخ رضوان مثلاً، قصفت طائرات العدو، في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء - الأربعاء، ثلاثة منازل على رؤوس سكانها، من دون سابق إنذار أو تحذير. وفي حي تل الزعتر، تكرّر الأمر نفسه، حيث قصفت طائرات الاحتلال سبعة منازل على رؤوس ساكينها. أما في حي الكرامة، غربي المنطقة الجنوبية من شمال القطاع، فقد دمّرت الطائرات الحربية شارع مصنع اللبن، ومسجد طارق بن زياد على رؤوس اللاجئين إليه، ثم شرعت في قصف من حاولوا الخروج بقذائف الفوسفور الأبيض المحرّم دولياً.
استمرار الحصار وإغلاق المعابر على هذا النحو يمكن أن يؤدّي إلى مجاعة


أما على صعيد الخدمات، فينذر انقطاع التيار الكهربائي تماماً عن القطاع، بشلل كامل في مهام البلديات الحيوية، من مثل نقل المياه إلى منازل المواطنين، وضخّ مياه الصرف الصحي. كذلك، ينذر منع إسرائيل دخول الوقود والمحروقات إلى غزة، بتوقف عمل المولّدات التي تمدّ المستشفيات الحكومية بالكهرباء. كما أعلنت جمعية أصحاب المخابز، أنها في غضون أيام معدودة، لن تستطيع مواصلة عملها في تقديم الخبز للمواطنين. ووسط هذا كله، تغيب التغطية الإعلامية بشكل حادّ، بسبب انقطاع شبكات الإنترنت والكهرباء، وتدمير عدد من الأبراج التي تحوي مكاتب شركات الإنتاج والقنوات التلفزيونية الخارجية، حيث دمّرت طائرات الاحتلال برجَي الكرمل وحجي، كما حاصرت الصحافيين في فندق "الروتس" غربي مدينة غزة بالنار.

سياسة التهجير
يشير هذا النمط من تهجير الأحياء السكنية والذي بدأ به العدو، إلى خطة تدريجية، يسعى من خلالها إلى تدمير مناطق غزة كافة، وذلك بهدف تفريغ القطاع من السكان، بعد إجبار الأهالي على الخروج منه كلياً، والتوجّه إلى مخيمات آمنة يمكن أن تقام على الحدود المصرية. ويشير السيناريو المتقدّم، والذي ترفضه السلطات المصرية، إلى مستوى التهديد وإثارة الفزع الذي يتعرّض له السكان، وهو ما يجعله قابلاً للتحوّل إلى واقع، إذا ما تواصلت الحرب على ذلك النسق لبضعة أيام أخرى. إذ لا تتوفر في منازل غزة لا مياه ولا كهرباء ولا شبكات هاتف أو إنترنت. كما أن استمرار الحصار وإغلاق المعابر، يمكن أن يؤدي إلى مجاعة حقيقية، بما سيشكّل بيئة طاردة حتى لسكان الأحياء التي لم تتعرّض للتدمير بعد.
إلى ذلك، قدّم المكتب الإعلامي الحكومي، آخر إحصائية لحصيلة الحرب الدائرة، حيث بلغ عدد الشهداء 1055، إلى جانب 5184 جريحاً، فيما تجاوزت أعداد النازحين الـ250 ألفاً. وهدّمت الطائرات الحربية 535 مبنى سكنياً (عمارة أو برج) بشكل كلي، ودمّرت 2152 بشكل جزئي، فيما ألحقت خراباً بليغاً بـ22300 وحدة سكنية، منها 1209 باتت غير صالحة للسكن.