بالتزامن مع حملتها الوحشية على قطاع غزة، نفّذت طائرات إسرائيلية عدواناً متزامناً في وضح النهار على مطارَي حلب ودمشق، ما تسبّب بخروجهما عن الخدمة، بعد تعرّض مدرّجاتهما لأضرار متفاوتة. وأوضحت وزارة الدفاع السورية أن القصف تمّ بصواريخ أُطلقت من طائرات حلّقت فوق البحر قبالة السواحل السورية، معتبرةً أن «هذا العدوان هو محاولة يائسة من العدو الإسرائيلي المجرم لتحويل الأنظار عن جرائمه التي يرتكبها في غزة، والخسائر الكبيرة التي يتعرض لها على يد المقاومة الفلسطينية، وهو جزء من النهج المستمر في دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة التي يحاربها الجيش السوري في شمال البلاد، والتي تشكل ذراعاً مسلّحاً للكيان الإسرائيلي». وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة النقل السورية تحويل الرحلات الجوية المبرمجة عبر المطارَين (قدوم ومغادرة) إلى مطار اللاذقية الدولي، ريثما يتمّ إصلاح الأضرار التي نجمت عن العدوان، بما فيها تلك التي لحقت بمدرّجات المطارين.العدوان الإسرائيلي الذي استبق بشكل مباشر زيارة مقرَّرة لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، جاء أيضاً بعد احتكاكات متزايدة على الشريط الفاصل بين سوريا والأراضي المحتلة في الجولان السوري، وبعد أقلّ من نحو أسبوع على الهجوم الدامي الذي تعرّضت له الكلية الحربية في حمص عبر طائرة مسيّرة، وحمّلت دمشق مسؤوليته للاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر. وقال وزير الخارجية، فيصل المقداد، في كلمة ألقاها خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري العاجل لـ«جامعة الدول العربية» لمناقشة الأوضاع في فلسطين، والذي عُقد أول من أمس، إن «الإرهابيين المدعومين من الاحتلال الإسرائيلي شنوا قبل أسبوع هجوماً أسفر عن مئات الضحايا في مدينة حمص، وهاجم مرتكبو جريمة حمص ذاتها بعد يوم أهلنا في غزة أطفالاً ونساءً». أتى هذا في وقت بحث فيه الرئيس بشار الأسد هاتفياً، مع نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، تطورات الأوضاع في فلسطين.
وفيما نقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن مصادر ديبلوماسية أن العدوان على المطارَين تسبّب بعودة طائرة كانت تحمل وزير الخارجية الإيراني إلى طهران بعد تعذّر هبوط طائرته، أظهرت تطبيقات مراقبة حركة الطيران أن الطائرة الإيرانية التي كانت متوجّهة إلى سوريا ولم تتمكّن من الهبوط هي طائرة لنقل الركاب، الأمر الذي دفع إلى استبعاد إمكانية وجود الوزير الإيراني على متنها، وخصوصاً أنه يتنقل عادة عبر طائرة حكومية، فضلاً عن أن زيارته لدمشق كانت مقرّرة اليوم (الجمعة) وليس أمس، وقت وقوع العدوان.
وبالعودة إلى حديث المقداد، الذي أجرى سلسلة لقاءات على هامش الاجتماع الوزاري مع وزراء خارجية الجزائر وتونس والسعودية، فقد أبدى، في بيان للخارجية السورية، ترحيب دمشق بالبيان المشترك الذي صدر عن الاجتماع وما تضمّنه من «إدانة مباشرة لما يتعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق من عدوان وانتهاك لحقوقه، ومطالبة لإسرائيل بتنفيذ التزاماتها بصفتها الجهة القائمة بالاحتلال». إلا أن بيان الخارجية تحفّظ على «أيّ عبارات يمكن أن يُفهم منها المساواة بين المحتل الإسرائيلي والشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال»، ليلقى التحفّظ السوري دعمَ العديد من الدول العربية، بعدما سجلت الجزائر والعراق وليبيا وتونس تحفظات في المنحى ذاته.
ولا تعدّ الاعتداءات الإسرائيلية على المطارات السورية أمراً مستجداً، حيث نفذ الاحتلال هجمات عديدة خلال السنوات الماضية، بينها اعتداءات أخرجت مطار حلب الدولي عن الخدمة بالتزامن مع وقوع الزلزال الذي ضرب البلاد في شهر شباط الماضي، الأمر الذي أعاق وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين. وخلافاً للاعتداءات السابقة التي لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها بشكل مباشر، سارع جيش الاحتلال، فور وقوع هذا العدوان، ليعلن مسؤوليته عنه، متوعّداً بهجمات أخرى على مواقع في سوريا، وهو ما يمثّل تصعيداً متعمّداً يهدف - حسبما يبدو - إلى توسيع دائرة النار وحرف الأنظار عن العجز الإسرائيلي عن استعادة السيطرة، مع استمرار هجمات المقاومة الفلسطينية. ويتزامن استمرار العدوان على غزة مع وصول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى تل أبيب، حيث أعلن دعم واشنطن غير المحدود للاحتلال، محذّراً من تدخّل ما سمّاه «جهات أخرى»، في إشارة إلى المقاومة في لبنان وسوريا، في وقت تسابق فيه حاملة الطائرات الأميركية «جيرالد فورد» الزمن للوصول إلى سواحل المتوسط بهدف تقديم الدعم العسكري لإسرائيل ومنع أيّ تدخل محتمل لسوريا أو «حزب الله» في الحرب.