بوقاحة مباشرة، كتب نصير ياسين صاحب محتوى «ناس دايلي» عبر حسابه على منصة «إكس» قبل أيّام أنه يعدّ نفسه من الآن فصاعداً - أي منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» - «إسرائيلياً فلسطينياً». لم يحتمل الشاب ذو الملايين من المتابعين حول العالم، فكرة أن تكون المقاومة الفلسطينية قويةً وقادرةً على قلب موازين القوة السائدة منذ احتلال فلسطين، تماماً مثلما لم يحتمل مشغّلوه من الأميركيين ومؤسسات الـNGOs هذا الواقع الجديد والمفاجئ بالنسبة إلى العدو الصهيوني والعالم كله. لم يكتفِ ياسين الصهيوني الهوى بتلك التغريدة، بل أضاف شارحاً أنه كان يعاني من صراع في تحديد هويته والتعريف عن نفسه: هل هو فلسطيني أم «إسرائيلي»؟ في العام الماضي، فاجأ كثيراً من متابعيه بفيديو صرّح عبره أنّه ذو هوية مشتركة وهكذا يرى نفسه. الأسوأ من ذلك أنّه «اكتشف» مع الوقت بأنه: «لا أريد العيش في ظل حكومة فلسطينية، ما يعني أنّ لدي بيتاً واحداً حتى لو لم أكن يهودياً: إسرائيل، هنا حيث تعيش عائلتي كلها. هذه هي الدولة التي أريد أن أراها في ديمومة لكي أضمن بقائي».
كتب نصير ياسين أنّه منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» يعدّ نفسه «إسرائيلياً فلسطينياً»

يبدو من كلامه أن ما فعلته المقاومة الفلسطينية مرعب جداً، فهو غير مصدق أن 900 «إسرائيلي» قد قُتلوا في اليومين الأولين لمعركة الطوفان، كما يصرّ على ذكر أن 40 من القتلى هم عرب «قُتلوا على يد عرب آخرين». لذلك هو يأمل أن تبقى فلسطين «قائمة بوصفها دولة مستقلة تتطور وتصبح أقل تطرفاً وأكثر ازدهاراً». وأنهى كلامه بأنه يعدّ نفسه «إسرائيلياً أولاً ثم فلسطينياً، فالرؤية بأقصى وضوح تتطلب أحياناً مثل تلك الصدمة».
وكانت صفحة «إسرائيل تتكلم بالعربية» على الفايسبوك قد نشرت ما حرفيته: «فقرة من خواطر نصير ياسين المشهور باسم ناس دايلي نشرها على تويتر»، مُفرِدة صفحةً كاملةً مع صورة نصفية لشخصية السوشيال ميديا، وهو يشرح سبب اختيار ما هو عليه الآن: «لا أريد العيش في ظل حكومة فلسطينية، ما يعني أن لدي بيتاً واحداً حتى لو لم أكن يهودياً». ثم أتبعها بديباجة عن أهمية كونه إسرائيلياً، في نوعٍ من الغسيل التطهيري (white wash) لكيان الاحتلال. طبعاً هو لم ينسَ نهائياً أن يذرّ بعض الرماد في العيون عبر جمل من نوع: «فلسطين يجب أن تبقى قائمة أيضاً بوصفها دولة مستقلة. كلّي أمل أن أرى هذه الدولة تتطور وتصبح أقل تطرفاً وأكثر ازدهاراً. إني أحب فلسطين لكنها ليست بيتي». من يقرأ هذه السطور الأخيرة يفهم تلقائياً أن دايلي يرى أن فلسطين «متطرفة» وأنها لن تكون «غير متطرفة»، ولذلك هو يرجو أن تكون «أقل تطرفاً»، بمعنى أنه يعرف أن ذلك لن يتغيّر. إنه أسلوب الأوروبي الأبيض في النظر إلى مجتمعاتنا المشرقية، وعلى ما يبدو، إن النص هذا قد كتبه معدّو برنامج دايلي له، فهو نص مكتوب حرفياً كما يريد ويتحدث الإعلام الغربي والإسرائيلي عما يحدث حالياً.
«حركة مقاطعة إسرائيل» حذرت من التعاطي معه ومع برنامجه


إنه نوع من تأكيد الولاء وإثباته يقدمهما الشاب بكل ما أوتي من قوة لمشغليه: إنه يثبت أنه إسرائيلي قلباً وقالباً، مستعدٌ حتى لرمي انتمائه الفطري الفلسطيني مقابل انتمائه العقيدي الصهيوني. صانع المحتوى الشاب والقادم من قرية عرابة في الجليل، وخريج الاقتصاد وعلوم الكمبيوتر من «هارفرد» المقيم في سنغافورة، يعرف جيداً كيف يُعجب الجمهور الغربي الذي يحاكيه طوال الوقت. وكانت «حركة مقاطعة إسرائيل بي دي أس» قد حذرت من التعاطي معه ومع برنامجه باعتباره ينتج «محتوى تطبيعياً ناعماً يخدم مساعي إسرائيل في فرض نفسها ككيان طبيعي في المنطقة»، ناهيك بأنه كما فعل في بيانه الأخير «يتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة».