قالت مصادر وزارة الطاقة إنه يفترض أن يُصدر تحالف شركات التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان، بقيادة «توتال»، بياناً رسمياً، لإعلان نتيجة الحفر في الرقعة الرقم 9، حيث تشير المعطيات الأولية إلى فشل العملية في استكشاف كميات تجارية من الغاز الطبيعي في المكمن الذي جرى الحفر فيه، وبالتالي فإنّه خلال بضعة أيام ستنطلق شركة «هاليبرتون»، التي تعاقد معها التحالف لتنفيذ عمليات الحفر، نحو قبرص، لتبدأ مهمة جديدة تعاقدت عليها.هذه النتيجة، أثارت الكثير من الشكوك بوجود «مؤامرة» على لبنان، إلا أن المصادر الرسمية قالت إن هذه الشكوك لا تبدو منطقية نظراً إلى الكلفة الكبيرة التي تكبّدها تحالف الشركات في سياق عملية التنقيب، إذ تبلغ كلفة الحفر وحدها نحو 100 مليون دولار. وحتى الآن، لا تستند الاتهامات بوجود مؤامرة على دلائل علمية موثوقة، إنّما ترتكز على نتائج مسوحات أشارت إلى وجود كميات من الغاز في البحر المتوسط، وأنه جرى اكتشاف بعضها، ولا سيما في الحقل الذي يضع الكيان الإسرائيلي يده عليه والواقع في الجزء المقابل للمكمن الذي حفرت فيه «توتال» ضمن الرقعة اللبنانية.
ورغم أن هناك تأكيدات تشير إلى وجود كميات كبيرة من الغاز في هذا المكمن، إلا أن معطيات الحفر التي تقول «توتال» إنها استخرجتها بعد حفر 3905 أمتار، تُظهر أن نسبة الكثافة في الماء الموجود داخل المكمن المحفور كبيرة، وبالتالي فإن كمية الغاز قليلة جداً فيه ولا ترقى إلى أن تكون كميات تجارية صالحة للاستخراج والبيع، وبالتالي لا داعي لمزيد من الحفر والفحوصات والأكلاف.
عملياً، يصعب الحسم بشأن هذه المعطيات من دون وجود تقارير رسمية وتقنية تحدّد بوضوح نتائج عملية الحفر، لكن يمكن طرح أسئلة: هل هناك مصلحة لأي من الأطراف بإنهاء عملية التنقيب في الرقعة الرقم 9؟ هل أخطأت «توتال» في اختيار نقطة الحفر؟ هل يمكن لشركة «توتال» تزوير النتائج بعد تكبّدها أكلافاً كبيرة؟ هل لا تزال احتمالات وجود الغاز في الرقعة 9 قائمة؟ هل لدى لبنان بدائل يمكن اعتمادها؟ هل بإمكان العدو الإسرائيلي سحب الكميات الموجودة في منطقة لبنان؟
بمعزل عن نظرية المؤامرة واحتمالات تزوير النتائج، يمكن القول بناءً على المعطيات التي سرّبت من موقع الحفر، إن عملية التنقيب، ببساطة، لم تفضِ إلى النتيجة المرغوبة، وإنه لا داعي لاستمرار البحث في هذا المكمن طالما أن النتائج تشير إلى أن الكميات المتوافرة فيه ليست تجارية وأنه لا جدوى مالية من استخراجها. وسواء كانت هذه المعطيات نهائية وحاسمة أو جرى التلاعب فيها، فإن النتائج المترتّبة عليها ستكون واضحة: لا يمكن التعويل حالياً على أن لبنان سيتحوّل إلى بلد منتج للغاز الطبيعي قريباً. وبالتالي، فإن كل الآمال والرغبات التي جرى التسويق لها بشأن «ازدهار» اقتصادي آتٍ وبيع الغاز بمليارات الدولارات على مدى العقد المقبل بالحدّ الأدنى، وصولاً إلى تسديد أموال المودعين وغيرها من الخلاصات التي جرى الترويج لها، لا محلّ لها في سياق فشل الاكتشاف في الرقعة 9.
الحديث عن فشل الاكتشاف في الرقعة الرقم 9 هو الثاني للبنان وللتحالف بقيادة «توتال»، إذ تبيّن نتيجة أعمال حفر الآبار الاستكشافية أن الرقعة الرقم 4 لا تحتوي على كميات تجارية من الغاز. يومها، جرى التشكيك أيضاً بالنتيجة التي توصلت إليها «توتال»، لكن الحديث عن الأمر خفت تدريجاً إلى أن استحوذ الحديث عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية جنوباً، على كل النقاش بشأن وجود كميات من الغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان.
وكان لبنان قد وقّع في 2018 عقداً مع تحالف شركات «توتال» (فرنسية بحصّة 35%) - «إيني» (إيطالية بحصّة 35%) - «نوفاتيك» (روسية بحصّة 30%)، من أجل التنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين الرقم 4 و9 في المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان، إلا أن الشركة الروسية انسحبت من التحالف وتركت حصّتها للبنان، ثم أهداها لبنان إلى شركة «قطر بتروليوم» في نهاية كانون الثاني 2023 في إطار اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي. وقد أطلق التحالف عمليات الحفر في 27 آب 2023 لتستمر لنحو 47 يوماً.