تونس | منذ بدء معركة «طوفان الأقصى»، انطلقت المبادرات والمسيرات للتعبير عن مساندة التونسيين للفلسطينيين، ورفض ردّة الفعل الغربية العمياء تجاه حرب الإبادة التي يتعرّض لها أهل غزة. وجاء الموقف الرسمي متماهياً أيضاً مع الوجدان الشعبي، وخالياً من أيّ مفردات تحايل: فهو المحتل الصهيوني وفق بلاغ رئاسة الجمهورية، وهي مدن فلسطينية محتلة وليست مدن «غلاف» غزة. أبعد من ذلك، ذكّر الرئيس التونسي، قيس سعيد، بجذور الصراع، وعاد به إلى المجازر الأولى التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني، وبالتهجير والحرمان من حق العودة والحصار لسنوات، واعتبر أن ما يحدث فعل مقاومة محض وأن الإرهاب يكمن في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها العدو ضد أصحاب الأرض. ولم يواجَه موقف الرئاسة التونسية بأيّ انتقادات داخلية، بل كان محل إجماع واضحٍ، ولم تتراجع عنه الرئاسة رغم الضغوط والانتقادات الغربية. وبدا سعيّد، في آخر ظهور له، غاضباً ممّا سمّاه المغالطات الإعلامية في توجيه الرأي العام نحو إدانة المقاومة الفلسطينية، معتبراً أن الحركة الصهيونية قد تغلغلت وتمكّنت من كلّ مفاصل صناعة القرار وصناعة الرأي العام العالمي. وإذ دعا إلى الخروج من حدود الدعم بالبيانات والخطابات وتقديم المساعدة التي يستحقّها الفلسطينيون في هذا الوقت العسير وعدم الوقوف على الحياد، فقد ذكّر بأن القضية هي فلسطين بكامل أرضها وأبنائها داخل وخارج التراب الفلسطيني، وليست غزة فقط كما يراد فصلها وعزلها.
وعلى امتداد الأيام الماضية، عملت الرئاسة التونسية على إيجاد سبل لمساعدة سكان غزة، وأقرّت توفير مولّدات كهربائية ومستشفيات ميدانية ومساعدات طبية، لكنّ قرار كيان الاحتلال غلق معبر «رفح» بين مصر وغزة حال دون وصولها إلى القطاع. كذلك، أجرت الرئاسة اتصالات مع الجانب المصري لتوجيه طائرات عسكرية محمّلة بالمساعدات الإنسانية والطبية، وإيصالها إلى مطار العريش على أمل التمكّن من إدخالها إلى غزة. وعلى خطّ موازٍ، واصل سعيد انتقاداته لبعض المواقف العربية من الأحداث، إذ كلّف وزير الخارجية، طارق عمار، بالتحفّظ على بيان «الجامعة العربية»، والتأكيد أن البند المتعلّق بإدانة المقاومة الفلسطينية وعملية «طوفان الأقصى» لا يتناسب مع موقف تونس ونظرتها إلى القضية الفلسطينية. أيضاً، وفي خلال زيارة أجراها إلى لندن، أكّد وزير الخارجية لنظيره البريطاني، جيمس كليفرلي، أن تونس ثابتة على موقفها الداعم لهذه القضية.
البرلمان التونسي سيناقش مقترح قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني


أمّا المؤسسة التشريعية، فقد قدّمت، أمس، مقترح قانون لتجريم التطبيع مع الكيان. وقال المتحدّث باسم لجنة الحريات في البرلمان، محمد علي، إن مناقشة المقترح ستنطلق الأسبوع المقبل بالاستماع إلى ممثّلي الرئاسة ووزارة الخارجية، مؤكداً أن المشروع يحظى بدعم غالبية الكتل البرلمانية، وأنه سيتمّ تمريره في أقرب الآجال. ويعيد هذا المقترح إلى الأذهان، سقوط البند المتعلق بتجريم التطبيع من الدستور التونسي في عام 2014 بعد ضغط ألماني وغربي لحذفه، ثمّ مماطلة القوى البرلمانية في المجالس السابقة التي تزعّمتها آنذاك حركة «النهضة» وحلفاؤها في تمرير النصّ الذي قدّمه تحالف «الجبهة الشعبية» المنتمي إلى المعارضة اليسارية.
بالتوازي مع ذلك، لم يهدأ الشارع التونسي، حيث لقيت دعوات «تنسيقية مناهضة التطبيع» إلى التظاهر أمام سفارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتكثيف المسيرات في العاصمة وبقية المحافظات، تجاوباً واسعاً. وتواترت الفعاليات المساندة للفعل المقاوم الفلسطيني، والرافضة لأيّ حلّ انهزامي على حساب القضية. من جانبه، وجّه نقيب المحامين التونسيين، حاتم المزيو، دعوة إلى نظرائه الغربيين للتخلّص من ازدواجية المعايير في التعامل مع انتهاكات الاحتلال، والتضامن الإنساني مع الفلسطينيين الذين يُقتلون ويُحرمون من أساسيات الحياة منذ عقود. أما نقيب الصحافيين، زياد دبار، فدعا المنظمات الدولية الناشطة في مجال الصحافة على غرار «الاتحاد الدولي للصحافيين» و«مراسلين بلا حدود»، إلى التحرك لمحاسبة كيان الاحتلال على جرائمه بحق الصحافيين الفلسطينيين، وإيلاء الملف الأهمية نفسها التي حظيت بها الانتهاكات بحق الصحافيين الأوكرانيين، وذلك في خلال وقفة للصحافيين بدعوة من «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» شارك فيها المئات، ورفعوا صور الصحافيين الفلسطينيين الذين استشهدوا في غزة منذ بدء العدوان. وفي الاتجاه نفسه، أكّد الأمين العام لـ«الاتحاد العام التونسي للشغل»، نور الدين الطبوبي، أن موقف «الاتحاد الدولي للنقابات» جاء مخالفاً للمبادئ التي قام عليها «الاتحاد»، وأهمّها حق الشعوب في الانعتاق والحرية والتحرر من الاحتلال.
إلى ذلك، يواصل «الهلال الأحمر التونسي» جمع التبرّعات من الأدوية والمستلزمات الطبية، داعياً الأطباء والجرّاحين والممرّضين الراغبين بالانضمام إلى قوافله إلى الاستعداد في حال تمّ السماح بدخول المساعدات الإغاثية الإنسانية إلى غزة. وقد لقيت حملات التبرّع هذه تجاوباً واسعاً، وشملت المدارس والجامعات وقطاعات واسعة، فيما تعهّدت الرئاسة بتوفير ما يُطلب منها من أجلها.