رام الله | ما إن انتهت صلاة الجمعة أمس، حتى عمّ «طوفان الأقصى» الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، بمسيرات حاشدة شارك فيها عشرات آلاف المواطنين، ومواجهات عنيفة امتدّت من مدينة جنين إلى الخليل، وارتقى فيها 14 شهيداً وأصيب المئات بجروح مختلفة، ليرتفع عدد الشهداء منذ بدء المعركة إلى 49. وسُجّل أعنف الاشتباكات في شمال الضفة، حيث خاض عشرات المقاومين قتالاً للمرة الأولى عند مداخل مستوطنات غرب جنين بعدما حاولوا اقتحام مستوطنة «شاكيد»، ومدخل مستوطنة «ميراف» شرق جنين، وكذلك قرب قرية جلبون في القضاء نفسه. وإثر ذلك، أعلنت «كتائب القسام» و«كتيبة جنين» بدء «طوفان الضفة» وتنفيذ «سلسلة من العمليات الهجومية ضد حواجز ومواقع عسكرية وتحقيق إصابات مباشرة في صفوف العدو».وفي مناطق مختلفة من الضفة، نُفّذت العشرات من عمليات إطلاق النار، مستهدفةً جنود الاحتلال وحواجزه ومستوطناته. وفي إطار هذه العمليات، استشهد 5 فلسطينيين في مدينة طولكرم حين كانوا يخطّطون لتنفيذ عملية خلف خطوط العدو والوصول إلى شارع رئيس تسلكه مركبات المستوطنين. كما اندلعت مواجهات في عدّة نقاط تماس، وخرجت مسيرات ضخمة في رام الله والخليل ونابلس وطولكرم وبيت لحم، نصرةً للمقاومة، وتنديداً بـ«التنسيق الأمني».
وأتى ذلك بعد أن شنّت قوات الاحتلال، فجراً، اقتحامات في عدّة مدن وقرى في الضفة لتنفيذ عمليات اعتقال، تصدّى لها المقاومون واندلعت على إثرها اشتباكات مسلّحة، أكدت فصائل المقاومة، في أعقابها، أنها نجحت في تكبيد الاحتلال خسائر مباشرة بفعل العبوات الناسفة التي استخدمتها، خصوصاً في بلدة بيت أمر في مدينة الخليل، حين حاصر جنود العدو شباناً داخل منزل لعدة ساعات وطالبوهم بتسليم أنفسهم، قبل أن ينسحبوا مدفوعين بفشلهم في اعتقالهم، وكذلك في بلدة قباطية جنوب جنين.
ويأتي هذا المدّ الشعبي والمقاوم في الضفة، بينما كان الرئيس محمود عباس يلتقي وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في العاصمة عمّان، من دون أن تَخرج عن اللقاء سوى تصريحات معهودة نُسبت إلى «أبو مازن»، الذي سبق أن التقى، أول من أمس، الملك الأردني، عبدالله الثاني، وأصدر تصريحات لأول مرة بعد خمسة أيام على العدوان. إلا أن تلك التصريحات نبذ فيها الرئيس ما سمّاه «العنف»، وجدد تمسكه بالشرعية، ورفض ممارسات «قتل المدنيين أو التنكيل بهم من الجانبين»، ودعا إلى «إطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين من كلا الجانبين»، فيما أهل غزة يتعرّضون لإبادة شاملة بضوء أخضر أميركي وغربي.
وفي المقابل، عبّر عدد من الفلسطينيين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضهم ديباجات الخطاب السياسي المكرَّرة والمملّة، من منطلق أنها «لا تصلح في وقت العدوان»، فيما لم يُظهر آخرون تفاجؤهم بحديث عباس نظراً إلى السياسة التي تتّبعها السلطة الفلسطينية، والزواج الكاثوليكي الذي يربطها بإسرائيل، والذي لم تؤثّر فيه عمليات القتل والاجتياح والتدمير والاستيطان والتهجير طيلة سنوات، أو الحروب العديدة على غزة.
لكنّ الضفة، التي تحكمها السلطة، والتي تشهد منذ أكثر من عام ونصف عام مقاومة متقدّمة تحظى بتأييدٍ شعبي كبير حسب استطلاعات الرأي، تبدو ماضية في اشتباكها، الذي ارتقى فيه، يوم الخميس فقط 5 فلسطينيين، أحدهم في اشتباك مسلّح مع قوات الاحتلال في القدس المحتلة، وأربعة آخرون بينهم امرأة في اعتداءات جنود العدو ومستوطنيه على مناطق متفرقة في الضفة الغربية. ونفّذ الشاب خالد محتسب (21 عاماً) من بلدة بيت حنينا عملية إطلاق نار على مقرّ شرطة الاحتلال قرب باب الساهرة بسلاح بدائي مصنّع محلياً، ما أسفر عن إصابة عنصرين في الشرطة أحدهما بجروح خطيرة. وتبنّت العملية «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، والتي قالت إنها تأتي «التحاماً مع مقاومينا في غزة وهم يخوضون معركة طوفان الأقصى»، بينما أصيب شاب بجروح خطيرة بعد إطلاقه النار على قوات الاحتلال غرب رام الله، ما أسفر عن إصابة جندي.
شنّت قوات الاحتلال حملات اعتقال في الضّفة هي الأوسع، طاولت على الأقلّ 60 مواطناً


ووثّق «مركز معلومات فلسطين» (معطى)، «685 عملاً مقاوماً»، في الضفة والقدس المحتلتين، منذ بداية «طوفان الأقصى»، أصيب في خلالها 12 جندياً إسرائيلياً ومستوطناً، في 210 مناطق مختلفة من الضفة المحتلة. وقال «معطى»، في تقرير مساء الخميس، إن المقاومة نفّذت 179 عملية إطلاق نار، بالإضافة إلى 17 عمليات إلقاء عبوات ناسفة، و38 واقعة إلقاء زجاجات حارقة، و11 حالة إحراق وتحطيم مواقع ومركبات عسكرية، بالإضافة إلى خمس محاولات دهس وطعن. واندلعت المواجهات مع قوات الاحتلال في 342 نقطة، ومع ميليشيات المستوطنين في 16 موقعاً، فيما نظّمت الجماهير الفلسطينية 77 تظاهرة.
وفي مقابل هذا الحراك، بات واضحاً أن جنود الاحتلال يستسهلون إطلاق النار على الفلسطينيين تطبيقاً لتعليمات إطلاق النار الجديدة التي أقرّتها قيادتهم، ورغبة بالانتقام من الفلسطينيين، وهذا ما يفسّر منح الضوء الأخضر لعصابات المستوطنين الإرهابية، التي شنّت هجوماً واسعاً مساء الخميس استهدف محالَّ تجارية وممتلكات للمواطنين في بلدة حوارة قرب نابلس، إلى جانب عشرات الهجمات التي شُنّت في اليوم نفسه، ومنها واقعتا خطف وإطلاق نار. وأتى ذلك في وقت شدّدت فيه قوات الاحتلال من إجراءاتها الأمنية وحواجزها في الضفة والقدس، ما جعل الأخيرتَين أقرب إلى سجون صغيرة، يتعرّض سكانهما لعقاب جماعي.
وشنّت قوات الاحتلال حملات اعتقال في الضّفة هي الأوسع، طاولت على الأقلّ 60 مواطناً، من بينهم 30 معتقلاً من محافظة الخليل، بينهم نواب من المجلس التشريعي محسوبون على حركة «حماس»، وقياداتها، وأسرى سابقون، بالإضافة إلى فتاة من القدس. كما نفّذت، خلال حملات الاعتقال، عمليات تنكيل وتخريب كبيرة داخل منازل المعتقلين، فضلاً عن الاعتداءات بالضرب المبرح، والتهديدات بإطلاق النار على المعتقلين وعائلاتهم. وقال «نادي الأسير»، في بيان، أمس، إن حصيلة الاعتقالات في الضّفة منذ السابع من تشرين الأول الجاري، بلغت أكثر من 260، إلى جانب العشرات من العمال الفلسطينيين من غزة، والذين حتّى الآن لم تُعرف أعدادهم بدقّة.
وبالتوازي مع ذلك، بدأ الحراك الجماهيري في الداخل المحتل إسناداً لقطاع غزة والمقاومة، إذ شهدت مدينة أم الفحم، مساء الخميس، مسيرة شعبية، استبقتها شرطة الاحتلال بإجراءات عسكرية مشدّدة وانتشار مكثف، واعتقلت خلالها 4 شبان، فيما أُطلق سراح الناشط محمد طاهر جبارين، الذي كان قد اعتُقل في وقت سابق. وشاركت عشرات المركبات والدرّاجات النارية في المسيرة التي جابت بعض أحياء المدينة، وسط انتشار عناصر شرطة الاحتلال المدجّجين بالسلاح في محاولة لترهيب الأهالي، بينما من المتوقّع أن يشهد الداخل المحتلّ مسيرات مشابهة. وتفرض قوات الاحتلال قبضة حديدية على الفلسطينيين في الداخل، وتشنّ بين حين وآخر عمليات اقتحام شرسة لاعتقال النشطاء والشبان، وتفرض على المعتقلين منهم حكومات سجن عالية في محاولة لردعهم، خاصة بعد «هبة الكرامة» في عام 2021. ومع بدء العدوان على غزة، أقدمت مواقع عمل إسرائيلية على إيقاف عدد من العمال والعاملات عن عملهم بادّعاء «تأييدهم لحماس ودعمهم للإرهاب»، سواء من خلال حديثهم مع العمال اليهود في موقع العمل أو من خلال كتابة منشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعي أعربوا فيها عن تضامنهم مع غزة.