بعد أقلّ من 48 ساعة على عدوان مزدوج استهدف مطارَي دمشق وحلب، وقبل بضع ساعات من عودة الأخير إلى العمل إثر صيانته، دمّر عدوان إسرائيلي جديد أطراف مدرّجات مطار حلب لتمتدّ مدة خروجه عن الخدمة. ويأتي ذلك ضمن محاولات الاحتلال توسيع «دائرة النار» - ذات الأغراض الردعية - على خلفية الضربة غير المسبوقة التي تعرّض لها في عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، وأسفرت في نتائجها الأولى عن تهشيم صورة الكيان الأمنية والعسكرية، وأدخلته في حالة «جنونية» مدعومة من واشنطن وحلفائها في أوروبا.الاستهداف الجديد الذي جاء مكرَّراً عبر صواريخ أُطلقت من طائرات حلّقت فوق البحر المتوسط غربي سوريا، وفق تكتيك اتّبعه الاحتلال منذ إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة «F15» عام 2018، تمكّنت الدفاعات الجوية السورية من إسقاط بعض الصواريخ التي أُطلقت أثناءه، حيث سُمعت أصوات الدفاعات في الساحل السوري، في حين تمكّنت أخرى من الوصول إلى مدرجات المطار وإحداث أضرار فيه. ودفع ذلك وزارة النقل السورية إلى إعادة جدولة الرحلات المدنية مرة أخرى، وتغيير مسارها إلى مطار اللاذقية الدولي.
وعلى غرار العدوان السابق، سارع الاحتلال إلى الإعلان عن استهداف المطار، معتبراً أن هذا العدوان جاء رداً على إطلاق قذائف من الأراضي السورية على الشريط الفاصل مع الأراضي المحتلة، في وقت أعادت فيه وزارة الدفاع السورية ربطه بالأحداث التي تشهدها سوريا منذ أكثر من عقد، مشيرة إلى أن «هذا العدوان الجديد هو تأكيد على النهج الإجرامي لكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يتجسّد بوضوح في جرائمه المتواصلة تجاه الشعب الفلسطيني والمجازر التي يرتكبها بحق المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال». وأضافت الوزارة، في بيان، أن الاعتداء «دليل واضح على أن هذا العدو الإرهابي لا يقيم وزناً للقوانين والأعراف الدولية، وهو باعتدائه على المطارات المدنية يثبت أنه أصل الإرهاب والداعم الأكبر للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، وسوريا بخاصة».
وبدا لافتاً، في العدوان الجديد على مطار حلب، أنه تزامن مع تمكّن الجيش السوري من إسقاط مسيرات انتحارية أطلقتها فصائل «جهادية» في محاولة لاستهداف المدينة التي استعادت الحكومة السورية السيطرة عليها أواخر عام 2016، ووسّع دائرة تأمينها عبر تمديد السيطرة على محيطها عام 2020. وشهدت المدينة، في الشهور الثلاثة الماضية، عدداً من المحاولات لشنّ هجمات بطائرات مسيرة تمكّن الجيش السوري من إسقاطها. وأتت المحاولة الجديدة في الوقت الذي يتابع فيه الجيش السوري عمليته العسكرية ضدّ تلك الفصائل في إدلب، شمال غربي البلاد، على خلفية المجزرة التي شهدها حفل تخريج دفعة ضباط في الكلية الحربية في حمص، والتي تسبّبت في مقتل 137 شخصاً بينهم نساء وأطفال كانوا يحضرون الحفل. وفي هذا السياق، أشار مصدر ميداني، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن الجيش السوري نفّذ رميات مدفعية واستهدافات بالصواريخ الموجّهة بعد عمليات رصد دقيقة لتحركات المسلّحين، موضحاً أنه استُهدِفت بضع آليات كان يستخدمها المسلّحون، من بينها سيارتان كانتا تقلّان مقاتلين في ريف اللاذقية، الذي ينشط فيه مقاتلون تابعون لـ«الحزب الإسلامي التركستاني»، أحد الفصائل المتعاونة مع «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، والتي تسيطر على إدلب.
تزامن العدوان الإسرائيلي الجديد على مطار حلب مع تمكّن الجيش السوري من إسقاط مسيرات انتحارية كانت تستهدف المدينة


ومنذ بداية الحرب عام 2011، شهدت سوريا اعتداءات إسرائيلية متواصلة، سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً بعد عام 2018، عندما استعادت الحكومة السورية، بمساعدة روسية، السيطرة على جنوب البلاد، بما فيه الشريط الفاصل مع الأراضي المحتلة في الجولان السوري، والذي كان يسيطر عليه عدد من الفصائل، بعضها «جهادية» أُخرجت إلى إدلب وفقاً لاتفاقية رعتها روسيا. وطاولت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عدداً من المناطق من البلاد، بينها مطارا حلب ودمشق بالإضافة إلى مرفأ اللاذقية. وفي سياق متصل، ذكرت مصادر عسكرية سورية أن الجيش السوري تسلّم دفعة جديدة من الأسلحة الروسية، بينها بطاريات مدفعية من طرازَي «D-30» و«M-46»، ضمن عمليات التعاون العسكري السوري - الروسي، والذي يشمل بالإضافة إلى توريدات الأسلحة، عدداً من التدريبات المشتركة، آخرها تدريبات على عبور المسطحات المائية، وعمليات إنزال جوي وغيرها.
وتستعمل إسرائيل، في معرض تبرير اعتداءاتها المتواصلة على سوريا، ذريعة «منع إيران من التموضع في سوريا»، ضمن سياسة إعلامية هدفها عدم التشويش على نشاط الفصائل، وفقاً لتعبير مصدر سوري، أشار إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية تستهدف مباشرةً الجيش السوري، مستغلّةً الضرر الذي لحق بالدفاعات الجوية السورية في سنوات الحرب، إذ مثّلت «كتائب الدفاع الجوي» أحد أبرز الأهداف التي استهدفتها الفصائل بداية الأزمة. وبالإضافة إلى هذه الاستهدافات، حال خروج مناطق عن سيطرة الحكومة دون إعادة نشر منظوماتها الدفاعية على كامل الأراضي السورية، في وقت تلعب فيه الولايات المتحدة، التي تتمركز في عدد من القواعد في المناطق النفطية شرقي البلاد وفي منطقة التنف عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، دوراً بارزاً في عمليات دعم الاحتلال، وفقاً للمصدر نفسه.