غزة | لم تُظهر «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) دوراً سلبياً خلال أربع حروب سابقة عايشها قطاع غزة، خلال الـ15 عاماً الماضية، كما أظهرت اليوم. منذ اليوم الأول، وحينما فرّ من القصف المهول عشرات الآلاف من المواطنين من سكان مدينة بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة والقرية البدوية (أقصى الشمال) وأحياء الكرامة والمخابرات والعامودي، الذين قصدوا مدارس الوكالة، فوجدوا أن أكثرها موصَدة في وجوههم. وفي أفضل الحالات، فتح حراس المدارس الأبواب للأهالي، وأخبروهم بأن «الأونروا» ليست مسؤولة بأيّ شكل من الأشكال، عن تقديم الرعاية لهم.على أن الدور الأكثر سلبيةً الذي مارسته أخيراً، هو مشاركتها في الحرب النفسية على سكّان مدينة غزة وشمالها، إذ إن خبر مطالبة جيش الاحتلال أهالي تلك المناطق بإخلائها والانتقال إلى ما بعد وادي غزة، أشاعه في بداية الأمر، بعض موظفي الوكالة الدوليين، والذين سرّبوا الخبر إلى وكالة «رويترز»، وعندما وجد نفياً مقابلاً من الجهات الأهلية والحكومية، تبنّى الاحتلال بنفسه تعميم رسالة الإخلاء. وبحسب مصدر من داخل «الأونروا» تحدّثت معه «الأخبار»، فإن جيش العدو حاول الحصول على النتيجة التي يريدها، أي إخلاء شمال غزة والمدينة، من خلال الحرب النفسية والشائعات، من دون أن يتحمّل التبعات القانونية لهذه الخطوة على الصعيد الدولي، فيما شاركت الوكالة بدور فاعل في إشاعة جوّ نفسي سيّئ. ويضيف المصدر أنه «لمّا وجد خبر رويترز وتسريبات الوكالة رواية مقابلة، واختار الأهالي فعلاً البقاء في مساكنهم، تولّى جيش الاحتلال المهمة بنفسه».
في مراكز الإيواء، التي تضجّ بأكثر من 300 ألف نازح، يبدو الأمر مأساوياً للغاية


من جهته، دان سلامة معروف، وهو مسؤول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلوك «الأونروا»، واعتبر أنها سارعت إلى التنصّل من واجباتها تجاه أهالي مناطق مدينة غزة وشمالها، حيث غادر موظفوها تلك المناطق إلى جنوب القطاع، وأخلوا مسؤوليتهم تجاه النازحين واللاجئين. وأضاف معروف، في تصريح صحافي، أن «سلوك الوكالة لم يقتصر على انسحاب الموظفين، وترك مراكز الإيواء للمجهول، إنما أيضاً لم يتحمّلوا مسؤولية النازحين إلى الجنوب، حيث لم تقدّم الوكالة لهم أيّ خدمات، ولا مراكز إيواء للإقامة بها (...) نستنكر احتجازها للمساعدات التي كان من المفترض أن يتمّ توزيعها على النازحين إلى مراكز الإيواء، حيث لا تزال تحتفظ بها في مخازنها».
في مراكز الإيواء، التي تضجّ بأكثر من 300 ألف نازح، يبدو الأمر مأساوياً للغاية. في زيارتها لمدرسة الفاخورة، رصدت «الأخبار» تكدّس أكثر من 30 شخصاً في حجرة صفّية لا تتجاوز مساحتها الـ40 متراً، حيث يفترش الأهالي أرض الفصل، وسط تردّي المستوى الصحّي، وعدم توفّر أيّ مقوّمات حياة. يقول أبو محمود، وهو أحد النازحين من مدينة بيت حانون: «خرجنا من المنزل من دون أيّ مستلزمات، بتنا على البلاط من دون أغطية لثلاثة أيام، قبل أن يقدّم لنا أهل الخير بعض الأغطية. لم تقدّم لنا الوكالة أي رعاية. الأمراض الجلدية بسبب قلة النظافة تتفشّى بين الأطفال. لا أحد مكترث لأمرنا». أمّا محمد المصري، وهو الآخر نازح من بيت حانون، فقد حمل برفقة شقيقه، والديه المسنَّين إلى مدرسة مشروع بيت لاهيا، من دون أن يتمكّن من جلب أدويتهما وجهاز التنفس الخاص بوالدته. يقول في حديثه إلى «الأخبار»: «والدتي مسنّة، ومريضة بتهتّك حادّ في الرئتين، ولا تتنفّس إلا على الأوكسيجين، لم نتمكّن من حمل الأنابيب معنا، ولم نجد مستشفى يستقبلنا، وها نحن ننتظر أن تموت على مرأى من عيوننا».