القاهرة | رسائل عديدة سعت القاهرة، خلال الساعات الماضية، لإيصالها إلى واشنطن، مفادها أنّ التهدئة ومعالجة الوضع الإنساني في غزة تمثّلان أولوية، وأن التصعيد، وعمليات التهجير القسري، فضلاً عن فرض الحصار بهذه الصورة، كلّها ستؤدّي إلى انفجار يهدّد أمن كيان الاحتلال. وشهدت القاهرة، يوم أمس، لقاءات على مستويات عدّة، حيث استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي يعود اليوم إلى تل أبيب لمناقشة نتائج جولته في المنطقة، والتي شملت كلّاً من الأردن والسعودية وقطر والبحرين، واختُتمت في مصر، التي شدّدت أمام ضيفها على «ضرورة معالجة الوضع الإنساني في غزة في أسرع وقت، والمباشرة في مفاوضات جادّة من أجل التهدئة»، وهو ما لا تزال إسرائيل ترفضه.وذكرت مصادر مصرية مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن الرسائل التي حمّلها السيسي، ضيفه، تضمّنت دعوة إلى وضع خطّة مدروسة وسريعة بما يضمن سلامة من سمّاهم «المدنيين» على الطرفَين، والتنبيه إلى أن التصعيد الأخير جاء نتيجة تراكمات، وتصاعد العنف والتطرّف الإسرائيليَّيْن تجاه الفلسطينيين، فضلاً عن تكرار الانتهاكات في حقّ المقدّسات الدينية. وقالت المصادر إن القاهرة التي برّرت تحركات المقاومة باعتبارها ردّ فعل على التصرّفات الإسرائيلية، «أبدت غضباً ملحوظاً على التعالي غير المبرّر الذي يُظهره المسؤولون الإسرائيليون، ورفْضهم أيّ حلول أو معالجات لا تتبنّى بالكامل وجهة النظر الإسرائيلية»، معتبرةً أن «إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التصعيد الأخير، أمر لا يزال من الممكن تحقيقه، لكنّ قادة الاحتلال لا يرغبون
بذلك لأسباب مرتبطة بمشاكلهم السياسية في الداخل، والتي لا يجب أن يدفع ثمنها الفلسطينيون الذين يتعرّضون لاستهدافات ترتقي إلى جرائم حرب».
أعدَّت السلطات المصرية خطّة واسعة النطاق للتعامل مع الوضع في قطاع غزة


أيضاً، كشفت المصادر أن القاهرة طلبت بشكل واضح أن يكون هناك «تنسيق من أجل فتح ممرّ آمن يسمح بخروج الأجانب من غزة، وإدخال المساعدات في أسرع وقت ممكن، سواء عبر معبر كرم أبو سالم، أو معبر رفح، وذلك لتلبية احتياجات السكان»، وهي أمور جرى التفاوض في شأنها مع وفد أمني إسرائيلي زار العاصمة المصرية ليومين، ولكن من دون أن يجري التوصّل إلى أيّ نتيجة. وفي هذا الوقت، أعدَّت السلطات المصرية خطّة واسعة النطاق للتعامل مع الوضع في قطاع غزة، تشمل إيواء أكثر من مليونَي شخص وتوفير الرعاية الصحية والعلاجية لهم على الجانب الفلسطيني من رفح، من دون السماح لهم بالدخول إلى سيناء. ووفق الخطّة التي تحدّثت عنها مصادر مصرية، إلى «الأخبار»، فإن «القاهرة أنهت تجهيزات لإقامة أهالي غزة في المنطقة التي يُفترض أنها ستكون آمنة من الغارات الإسرائيلية، على أن توفّر لهم كلّ الاحتياجات من أغذية وأدوية، في محاولة للحدّ من تداعيات الحصار المفروض على القطاع، ولجم احتمال تكرار سيناريو اقتحام الحدود المصرية في ظلّ التصعيد المتوقّع في الأيام المقبلة».
واستناداً إلى الخطّة نفسها، ستقوم القاهرة، بمساعدة شركاء إقليميين، بإدخال المساعدات اللازمة إلى غزة، بما يضمن صمود الفلسطينيين في مواجهة عمليات التهجير. وإذ يتوقّع المصريون أن يواصل الإسرائيليون سياسة التدمير الواسع للمناطق السكنية في القطاع خلال الأيام المقبلة، بذريعة «تدمير البنية التحتية لحركة حماس»، فهم يحاولون، من خلال اتصالات مكثّفة مع الجانبَين الأميركي والإسرائيلي، الضغط لوقف عمليات التدمير تلك. كما سيسعون لضمان بقاء الجانب الفلسطيني من الحدود آمناً ومستقراً لأطول فترة ممكنة، وتجنّب زيادة الاحتقان الشعبي، مبدين التزامهم بتخفيف الحصار الإسرائيلي، وهو الأمر الذي طلبت مقابله مصر دعماً مالياً واقتصادياً من دول خليجية، في مقدّمها قطر التي أظهرت مساندة للمواقف المصرية. وتعتمد الخطّة، كذلك، على ضمان إدخال المساعدات والقوافل الإنسانية عبر معبر رفح وتوزيعها وفق آليات اتفاق وتنسيق مع ممثّلي حركة «حماس» ومنظّمات الإغاثة الإنسانية المختلفة، سواء المصرية أو الأممية. وبحسب المعلومات، تسعى واشنطن لأن تكون عمليّة إدخال دفعة المساعدات الأولى في مقابل إخراج الموظفين الأميركيين والأوروبيين الموجودين في غزة، عبر الممرّ الذي لا تزال تفاصيل عمله محطّ مناقشات مستفيضة ومعمّقة يفترض حسمها خلال زيارة بلينكن لتل أبيب اليوم.