وعلى صعيد القوة الصاروخية، واصلت كلّ من «كتائب القسام» و «سرايا القدس» إطلاق رشقات صاروخية مكثّفة، استطاع غالبيتها الوصول إلى أهدافه في مدينة عسقلان على بعد 40 كيلومتراً، وحتى إلى حيفا وصفد وتل أبيب على بعد أكثر من 250 كيلومتراً من القطاع. والظاهر أن ثمّة تكتيكاً مدروساً جداً في اختيار تواقيت إطلاق الصواريخ، على النحو الذي يضمن تحييد منظومة «القبة الحديدية». وفي هذا الإطار، يقول خبير عسكري تحدّثت معه «الأخبار»، إن «المقاومة تختار اللحظة التي تتحرّك فيها أسراب الطائرات الحربية إلى القطاع، حينها، تتوقّف منظومة القبة الحديدية عن العمل، كي لا تُصيب أيّاً من الطائرات بنيران صديقة، لتشرع المقاومة في فتح النار تجاه مدن الغلاف والعمق، وهو ما يفسّر تحييد القبة الحديدية بصورة شبه كاملة». ويلاحظ الخبير العسكري، أيضاً، أن «المقاومة لا تستخدم الصواريخ عشوائيّاً، أي إنها تضرب بكثافة عددية لتحقّق عنصر الضغط والإيذاء في العمق، من دون إفراط، كي تحافظ على مخزونها الصاروخي لأطول مدى ممكن، في حال استمرّت الحرب لأسابيع أو شهور (...) ويعكس ذلك حقيقة أن ثمّة تخطيطاً جيداً وتنسيقاً بين القوتَين الكبيرتين في هذا المجال، حماس والجهاد الإسلامي».
ما هو أكيد وموثوق، أن ثمّة خطة موضوعة سلفاً للتصدّي لأيّ هجوم برّي
على صعيد الإدارة الإعلامية للمعركة، يواصل الناطقان باسم «القسام» و«السرايا» ظهورهما الإعلامي، فيما يشير سلوك الأولى إلى تقصّد توجيه ضربات «تحت الحزام»، تُسهم في اللعب بالجبهة الداخلية لكيان الاحتلال. إذ نشرت «الكتائب»، مرّتَين منذ بدء المعركة، أن القصف الإسرائيلي تسبّب في مقتل 9 جنود أسرى في أوّل مرّة، و7 جنود في المرّة الثانية، وهو ما دفع المئات من المستوطنين من أهالي الأسرى، إلى التظاهر أمام مبنى «الكرياه» للمطالبة بإقالة بنيامين نتنياهو واستعادة «الرهائن» من غزة من دون قتلهم.
العملية البرية
رغم التعاطي الجدّي مع تهديدات الاحتلال بشنّ عملية برية، فإن ثمّة شعوراً جمعياً بين الأهالي، بأن المنطقة بأسرها تنتظر حدثاً دراماتيكياً من الجبهات الخارجية المساندة، سيحول دون التقدّم البرّي في غزة، فيما بدا واضحاً قدر التفاعل الإيجابي مع أيّ فعل تقوم به المقاومة الإسلامية في شمال فلسطين المحتلة. أمّا على الصعيد العسكري، ومع أن المقاومة لم تتعرّض منذ 15 عاماً لعملية تمهيد ناري بهذا الزخم، فإن ما هو أكيد وموثوق أن ثمّة خطة موضوعة سلفاً للتصدّي لأيّ هجوم برّي. وفي هذا السياق، قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، صالح العاروري، في تصريحات عبر قناة «الجزيرة» القطرية، إن «خطّتنا الدفاعية تفوق في إتقانها وتجهيزها بمراحل، الخطّة الهجومية التي شاهدتموها في عملية العبور، طوفان الأقصى».
حتى اللحظة، لا يمكن التنبّؤ بما ستحمله تلك المرحلة من مفاجآت، ولكن إيمان الأهالي بقدرة المقاومة على مواصلة العمل المتقن، ورفض الحاضنة الشعبية خطّة التهجير، والذي عبّرت عنه بمسيرات جماهيرية حاشدة، انطلقت عفويّاً في مختلف مناطق شمال غزة، حيث الحصّة الأكبر من المجازر الجماعية والقصف، يرسم بعضاً من معالم الأيام القادمة، والتي تبدو إلى الآن مائلةً لمصلحة المقاومة، رغم الارتفاع المتوقّع في الكلفة البشرية والمادية.