رام الله | «لا غالب إلّا الله»؛ بسبب هذه الجملة التي كتبتها عبر موقع «فايسبوك»، اعتَقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية، الفنانة ودكتورة الأعصاب، دلال أبو آمنة، مساء أول من أمس، قبل أن تقرّر، أمس، تمديد اعتقالها أمام محكمة الصلح في الناصرة، لاستكمال محاكمتها. وأفادت عبير بكر، محامية أبو آمنة، بأن عناصر الشرطة وصلوا إلى منزل الفنانة لاعتقالها، في الوقت الذي كانت «تتقدّم فيه بشكاوى على خلفية التحريض عليها من قِبَل مستوطنين». وفي هذا الإطار، طالب الرئيس التنفيذي لمنظمة «بيتسالمو»، شاي غليك، رئيس «التخنيون - معهد للتكنولوجيا»، أوري سيفان، بإبعاد دائم لطلاب وأعضاء هيئة تدريس «يدعمون الإرهاب»، على حدّ وصفه، مضيفاً: «يجب أن أذكر أنني تلقّيت عدداً من الشكاوى المحدَّدة، من بينها في شأن الباحثة في "التخنيون" دلال أبو آمنة، وهي طبيبة في علم الأعصاب، ومغنّية لها مليون متابع عبر "فايسبوك"، ومئات الآلاف غيرهم على شبكات (التواصل) الأخرى، وقد كتبت أبو آمنة في منشورها: لا غالب إلّا الله + علم فلسطين»، مشيراً إلى أن «هذا الشعار له بُعد تاريخي مهمّ جدّاً، فهو رمز لانتصار المسلمين عندما فتحوا الأندلس... هذه أفظع عبارة سمعتها على الإطلاق؛ القول إن الله أراد هذه المذبحة الشنيعة!».ومع بدء العدوان على غزة، اتّجهت الأنظار إلى الداخل الفلسطيني المحتلّ، والدور الذي يمكن أن يلعبه في مساندة القطاع والمقاومة، على غرار ما شهدته مدن وبلدات الـ48 خلال معركة «سيف القدس» في عام 2021، من مواجهات واشتباكات عنيفة وواسعة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، شكّلت صدمة للمستويَين السياسي والعسكري في إسرائيل. ونبّهت أحداث «سيف القدس» في الداخل المحتلّ، المؤسّستَين العسكرية والسياسية، إلى تداعيات مشاركة فلسطينيي الـ48 في أيّ مواجهة قد تندلع مستقبلاً، نظراً إلى عددهم الذي يناهز المليونَي نسمة، فضلاً عن تأثيرهم الكبير. ولهذا، عمدت سلطات الاحتلال واستخباراتها، من بين إجراءات مضادّة عدّة، إلى العمل على تغذية ظاهرة الجريمة في الداخل المحتلّ، حتى بات واضحاً الدور الذي تلعبه بفعل الارتفاع غير المسبوق في معدل الجرائم، وتجاهل شرطة العدو التعامل معها أو الحدّ منها. لكن المفارقة أنه، ومنذ بدء العدوان على غزة، لم تسجَّل جرائم قتل في الداخل، وهو ما يثبت تورّط شرطة الاحتلال واستخباراته في تأجيج هذه الحوادث.
ومنذ انتهاء معركة «سيف القدس»، كثّفت السلطات الإسرائيلية من ملاحقة النشطاء الفلسطينيين الذين يعبّرون عن دعمهم للمقاومة، أو ممَّن شاركوا في «هبّة الكرامة»، إذ أَصدرت أحكاماً مرتفعة بالسجن في حقّهم، في محاولة لردع البقيّة عن المشاركة في أيّ نضال وطني ضدّ الاحتلال. وفي إطار هذه الإستراتيجية أيضاً، شنّت شرطة الاحتلال، منذ بدء عمليّة «طوفان الأقصى»، حملة اعتقالات واسعة طالت فلسطينيي الداخل المحتلّ، وتحجّجت خصوصاً بما ينشره هؤلاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في موازاة تعرُّض عشرات الفلسطينيين للفصل من أماكن عملهم، فضلاً عن التهديد الذي طال الطلاب بفصلهم من الجامعات والكليات المختلفة، بسبب منشورات مندّدة بالعدوان على غزة. وكانت الشرطة اعتقلت، يوم 13 الجاري، عامر الهزيل، المرشّح لرئاسة بلدية رهط، على خلفيّة نشره مقالاً تحليليّاً، يتحدّث فيه عن الاقتحام البرّي لقطاع غزة، والسيناريوات المحتملة، ثمّ جرى تمديد اعتقاله مرّتَين، علماً أن الهزيل يحمل الدكتوراه في العلوم السياسية.
وتُعدّ النماذج المتقدّمة، جزءاً من سياسة الترهيب التي تعتمدها سلطات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في الداخل المحتلّ، وذلك بهدف منْعهم من إسناد قطاع غزة، فضلاً عن التهديدات اليومية التي يتعرّض لها كل مَن يبدي أيّ نوع من التضامن مع القطاع، من جانب المجموعات اليهودية المتطرّفة. وليس فلسطينيو الداخل، على أيّ حال، بعيدين عن تداعيات العدوان على غزة؛ فإسرائيل ستجد في حربها فرصةً من أجل تنفيذ مخطّطاتها ضدّهم، من تهجير وتطهير عرقي، وتضييق وترهيب، بهدف سلخهم عن شعبهم وقضيّتهم الوطنية، خاصة في ظلّ حملة التسليح الواسعة للمستوطنين، وتشكيل عصابات مسلّحة بضوء أخضر من الحكومة، ما قد يمهّد، في وقت لاحق، لشنّ هجمات دموية ضدّ الفلسطينيين.
وتستعين إسرائيل بجملة من القوانين العنصرية التي وضعتها لملاحقة ومحاكمة ومعاقبة فلسطينيي الداخل، إذا ما أبدوا أيّ تضامن مع أبناء شعبهم، وذلك بعدما استخلصت «الدروس» من «هبّة الكرامة»، وغيّرت قواعد الملاحقة في حقّهم. وفي هذا الإطار، سارعت إلى تفعيل حالة الطوارئ، موظّفةً القوانين الانتدابية تحت ذريعة قانون «مكافحة الإرهاب» الذي جرى تعديله في عام 2016، وإدخال بنود عليه تَعتبر المشاركة في التظاهرات، أو التغريد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تحريضاً يستدعي محاكمة صاحبه بدعوى «دعم الإرهاب». وعلى رغم أن الحَراك الجماهيري في الداخل المحتلّ لا يزال «متواضعاً إلى الآن، نظراً إلى القيود والملاحقة والاستهداف، غير أن أحداً لا يضمن أن يبقى كذلك، إذ إنه قد ينفجر في أيّ لحظة بصورة أكبر وأوسع من عام 2021»، إذا ما تطوّر العدوان على قطاع غزة، وقد يأخذ شكل المواجهة المسلّحة، وهو ما تتخوّف منه سلطات الاحتلال، نظراً إلى كميات الأسلحة المنتشرة في صفوف الفلسطينيين.
تستعين إسرائيل بجملة من القوانين العنصرية التي وضعتها لملاحقة ومحاكمة ومعاقبة فلسطينيي الداخل


وفي الـ15 من الجاري، قالت نيابة الاحتلال إن الشرطة حقّقت مع نحو 100 فلسطيني من الداخل، جرى «تمديد اعتقال بعضهم»، وستعمل في الأيام المقبلة على اعتقال العشرات بزعم «نشر كلمات دعم وإشادة بأعمال حركة حماس، كما قرّرت السماح للشرطة بشكل استثنائي، بفتح تحقيق من دون الحصول على موافقة مسبقة منها». ووفق النيابة، فإن موقفها هو «عدم التسامح مطلقاً مع مَن ينشر صراحةً وحتى ضمناً عبارات التأييد والدعم للعدو، وأعماله ضدّ مواطني الدولة الذين تعرّضوا للقتل والتعذيب والإذلال»، وإن «النائب العام أوعز بأنه كقاعدة عامّة؛ يجب فتح تحقيق واعتقال وملاحقة كلّ مَن ينشر كلمات مديح ودعم للأعمال الوحشية».
ويبدو الواقع متشابهاً في القدس والضفة الغربية؛ إذ ذكرت شرطة الاحتلال أنها، ومنذ بدء الحرب على غزة، اعتقلت 63 شابّاً بسبب القيام بما سمّته «أعمال التحريض والتعاطف مع أو دعم الإرهاب، ومن ثمّ أحالتهم على التحقيق، ومعظمهم قاموا بنشر التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، بينما اعتقلت في الضفة قرابة 500 شخص منذ بدء الحرب.