رام الله | على وقع هتاف «يا أبو مازن ليش ليش... مرّة السلطة ومرّة الجيش»، شيّع مئات الفلسطينيين في مدينة جنين، ظهر يوم أمس، جثمان الطفلة رزن تركمان (12 عاماً)، التي ارتقت خلال قمع الأجهزة الأمنية مسيرةً مندّدة بمجزرة مستشفى «المعمداني» في غزة، خرجت مساء الثلاثاء، وأخرى، بالرصاص الحيّ وقنابل الغاز، خرجت في مدينة نابلس مساء الأربعاء، وكانت في طريقها إلى المنطقة الشرقية من المدينة. وإلى رزن التي استشهدت جرّاء قمع أجهزة السلطة، أصيب آخرون في جنين، وستة شبّان، إصابة أحدهم خطيرة، في طوباس، وسط رام الله. وشهدت الضفة الغربية، مساء أول من أمس، طوفاناً بشريّاً، حيث خرجت مسيرات مباشرةً بعد مجزرة «المعمداني»، شارك فيها مئات آلاف المواطنين في المدن والقرى. وكانت جنين أولى المدن التي انطلق أهلها في مسيرة جماهيرية حاشدة، استجابةً لدعوات المقاومين وتكبيرات المساجد. ولدى اقتراب التظاهرة من مقرّ المقاطعة الواقع بين مخيم جنين، ووسط المدينة، تعرّضت المسيرة لإطلاق نار مباشر، ردّاً على الهتافات المطالِبة بـ»إسقاط الرئيس»، فأصيبت الطفلة تركمان، التي كانت مارّة من المكان، قبل أن يعلَن استشهادها، لتندلع عقب ذلك اشتباكات عنيفة بين أجهزة السلطة وشبّان مسلحين. ومع هذا، دعا المقاومون المواطنين إلى عدم الاصطدام مع الأجهزة الأمنية، والتوجّه بدلاً من ذلك إلى حواجز الاحتلال ونقاط الاشتباك، والتي شهدت اشتباكات مسلّحة عنيفة استمرّت لساعات، في وقت أعلنت فيه فصائل المقاومة النفير العام، والتوجّه نحو مواقع التماس مع الاحتلال.وفي مدينة طوباس، خرجت مسيرة حاشدة شارك فيها المئات، هاتفين للمقاومة من مختلف الفصائل، قبل أن تتوجّه نحو مقرّ السلطة لإعلان رفض موقفها الصامت إزاء الجريمة، وهو ما أدّى إلى إطلاق النار على المواطنين، وإصابة شاب بجروح خطيرة، تمّ نقله إلى مستشفى «ابن سينا» في مدينة جنين. كما شهدت مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلّة، تظاهرة شارك فيها آلاف المواطنين الغاضبين، تنديداً بقصف الاحتلال مستشفى «المعمداني»، هاتفين بعبارات ضدّ الرئيس محمود عباس، مطالبين برحيله، وتحرُّك الأجهزة الأمنية لحماية الشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال. ولدى توجّههم إلى مقرّ الرئاسة، وسط هتافات «الشعب يريد إسقاط الرئيس»، قامت أجهزة السلطة بقمع المتظاهرين وإطلاق قنابل الغاز عليهم، ما أدّى إلى وقوع إصابات في صفوفهم، فيما نصبت الأجهزة الأمنية حواجز ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى وسط المدينة، حتى إن مركباتها المصفّحة حاولت دهس عدد من المتظاهرين. كذلك، خرجت مسيرتان في قريتَي دير جرير والطيبة شمال رام الله، وتوجّهتا نحو مراكز للأجهزة الأمنية فيهما، قبل أن تقمعهما هذه الأخيرة، مطلقةً الرصاص الحيّ نحوهما. وفي مدينة نابلس، خرجت مسيرات غاضبة في اتّجاه ميدان الشهداء، وعند توجّهها إلى «قبر يوسف» لإحراقه ردّاً على مجازر الاحتلال في غزة، دارت مواجهات واشتباكات مع أجهزة السلطة التي تحرس الموقع، كما دارت مواجهات في شارع القدس شرق المدينة، حين قمعت قوات الأمن مسيرةً حاولت التوجّه إلى حاجز حوارة، مطلقةً عليها قنابل الغاز والرصاص، وهو ما تكرّر أيضاً في مدينة الخليل.
لجأت السلطة، منذ بدء العدوان، إلى تبريد الشارع، وذلك من خلال إعلان الإضراب العام والشامل في الضفة الغربية 3 مرات


ولم يكن خافياً المزاج الشعبي الغاضب على السلطة، خلال الأشهر الماضية، والذي تراكم وانفجر يوم أمس، لأسباب عدّة، أولها حالة الصمت الذي التزمته السلطة منذ بداية العدوان على غزة، إذ لم يدلِ عباس والقيادة الفلسطينية بأيّ تصريح أو موقف إزاء ما يحصل. وحين أقدم عضو «اللجنة المركزية لحركة فتح»، عباس زكي، على الإشادة بفصائل المقاومة في غزة، صدر بيان من الرئاسة تتبرأ فيه من تصريحات زكي، باعتبارها لا تمثّلها، ولا تمثّل حركة «فتح» و»منظمة التحرير». وفي اليومَين الماضيَين، كانت تصريحات عباس خلال حديثه مع الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، وقوله إن حركة «حماس لا تمثّل الشعب الفلسطيني»، محلّ رفض وسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتعود الرئاسة بعد ذلك وتُدخِل تعديلات على تصريحات «أبو مازن». وبدا واضحاً تجاوب السلطة وانصياعها للحَراك الأميركي والدولي المسانِد لإسرائيل، والذي طلب منها «الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الضفة وعدم تصعيد الأوضاع ضدّ إسرائيل». لكن الغضب انفجر مساء الثلاثاء، حين وقعت مجزرة مستشفى «المعمداني» بعد دقائق فقط من انتشار صور عباس وأمين سر «اللجنة التنفيذية» حسين الشيخ، وهما يوزّعان ابتسامات عريضة أمام وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وطاقمه، خلال اجتماعهما معه في عمّان، أثارت سخط الفلسطينيين.
ولجأت السلطة، منذ بدء العدوان، إلى تبريد الشارع، وذلك من خلال إعلان الإضراب العام والشامل في الضفة الغربية 3 مرات، وهو ما يشمل المؤسّسات والمدارس والجامعات والأسواق، حيث بات الإضراب في عهد السلطة أداة تنويم للشارع وتبريد له، على عكس ما كان خلال «الانتفاضة الأولى»، حين مثّل أداة نضالية في وجه سلطات الاحتلال التي كانت تحكم الضفة. ولا يخفى دور السلطة، خلال العامين الماضيين الماضيين، في السعي لإنهاء ظاهرة المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية، فيما ساهمت أيضاً في احتواء ظاهرة «عرين الأسود» في مدينة نابلس، واعتقال العديد من عناصرها، وكذلك العديد من المقاومين في مناطق متفرّقة في الضفة، وتحديداً في جنين وطولكرم. ولكن شعبية السلطة تراجعت كثيراً منذ معركة «سيف القدس»، في مقابل ارتفاع شعبية المقاومة التي بات الهتاف لها ولقائدها، محمد الضيف، علامة لافتة ودائمة في كل فعالية ومسيرة.
وحتى قبل بدء معركة «طوفان الأقصى»، ارتكب الاحتلال مجازر كبيرة في مدن الضفة، وواصل انتهاكاته الخطيرة في القدس والمسجد الأقصى، فيما ظهرت السلطة عاجزة عن تحقيق أيّ إنجاز سياسي أو اقتصادي، إذ تفاقمت الحالة الاقتصادية المتدهورة، وعزّز المستوطنون مشروعهم في الضفة وارتكبوا جرائم واسعة.