غزة | بعد يومٍ واحد على تهديده بالقصف، وفي تمام الساعة 7:14 مساءً بتوقيت فلسطين، شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، غارة كبيرة على «المستشفى الأهلي العربي» (المعمداني) القريب من ساحة غزة، التي تتوسّط المدينة القديمة. المستشفى الأثري الذي بُنيي عام 1882، ثمّ طُوّر في 1904، وكان مقصداً لأهالي فلسطين التاريخية لطلب الاستشفاء والعلاج، تحوّل منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، إلى مأوى نزح إليه الآلاف من سكّان أحياء شمال غزة وشرق أحياء الشجاعية والتفاح، بعدما هُدمت المنازل التي كانت تؤويهم.المشهد في باحة المستشفى «المعمداني» كان مهولاً. «الأخبار» التي عاينت الواقع منذ بدايته، رصدت تحوّل أجساد مئات الأهالي إلى أشلاء، ومن بين هؤلاء أطفال تعلّقت أجسادهم على أسفل صليب الكنيسة التاريخية التي تتوسّط المستشفى. وفيما أعطى رجال الإسعاف الأولوية لنقل الجرحى، انشغل الأهالي بجمع أشلاء المئات من الأطفال في أكياس بلاستيكية. وفي وسط الهول، أمكن ملاحظة القليل من الجثث المكتملة الأوصال، بينما من سلِم جسده من التشظّي، أتت على ملامحه النيران التي اندلعت في المكان، بفعل اشتعال العشرات من سيّارات الأطباء التي كانت مركونةً في داخل المرفق.
إلى «مستشفى الشفاء» غربي مدينة غزة، نقل الأهالي المئات من المصابين والشهداء. هناك، سقطت المنظومة الصحّية التي لم تستطع التعامل مع المئات من المصابين في لحظة واحدة، فيما ازدحمت باحة المستشفى بالمئات من الشهداء الذين عقدت وزارة الصحة مؤتمراً صحافياً بين جثامينهم، قالت فيه إن الحصيلة الأولية لهؤلاء هي 500، إلى جانب المئات من الجرحى. وفيما لم يعلَن حتى اللحظة عن الحصيلة النهائية، رجّحت مصادر طبّية أن يكون عدد الشهداء قد قفز في الساعات الأخيرة إلى 650، معظمهم من الأطفال والنساء.
من جهته، تعامل جيش الاحتلال مع المجزرة، في ساعتها الأولى، كأنها أيّ حدث عادي، إذ لم يبادر إلى نفي مسؤوليته عنها، قبل أن يقرّ المتحدث باسمه، أفيخاي أدرعي، عبر قناته في «تلغرام»، ـ«(أننا) كنّا قد أنذرنا بإخلاء المستشفى المعمداني وخمس مستشفيات أخرى كي لا تتّخذها منظمة حماس الإرهابية ملاذاً لها». وحينما اتّضح هول الفاجعة، عاد أدرعي وحذف منشوره، لتبدأ، بعدئذٍ، موجة إعلامية إسرائيلية منظّمة للتبرّؤ من قصف المستشفى. وفي هذا الإطار، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مقطعاً مصوّراً قديماً، يعود إلى معركة «وحدة الساحات» في آب 2022، يُظهر سقوط أحد صواريخ «سرايا القدس» في المناطق المأهولة، مدّعياً أنه هو نفسه الصاروخ الذي سقط في «المعمداني». لكن نتنياهو عاد، هو الآخر، وحذف منشوره بعد انفضاح كذبه.
تعامل جيش الاحتلال مع المجزرة، في ساعتها الأولى، كأنها أيّ حدث عادي، إذ لم يبادر إلى نفي مسؤوليته عنها


وفي إطار تفنيد المزاعم الإسرائيلية، يوضح مصدر في المقاومة تحدّثت معه «الأخبار»، جملة من المعطيات هي التالية:
- في تمام الساعة 7:14، لم يسجَّل إطلاق المقاومة لأيّ من الرشقات تجاه مدن العمق.
- في الأخطاء كافة التي سقطت فيها صواريخ المقاومة على منازل المدنيين وحتى المناطق المكتظّة بالمئات من الأهالي، لم تتسبّب الصواريخ في استشهاد أكثر من 10 أشخاص.
- القدرة الانفجارية لأكبر صواريخ المقاومة وأطولها مدًى، لا يمكن أن تؤدّي إلى هذا العدد المهول من الضحايا.
- طبيعة الإصابات وحجم التشظّي الكبير، الذي طاول أنحاء المنطقة كافة، يدلّلان على أن الصواريخ مصنوعة من حديد «الزوهر» الذي تُصنع منه الصواريخ الإسرائيلية، فيما تستخدم المقاومة في غزة حديداً أسطوانياً مسكوباً لا يسمح لجسم الصاروخ في أن يتحوّل إلى شظايا، وهو ما يفسّر عدد الإصابات المحدود حين تسقط الصواريخ على مدن عمق الاحتلال.
- الموجة الانفجارية التي أحدثها الصاروخ، ووُثّقت بواسطة كاميرات المواطنين والصحافة، مطابقة لتلك التي تُحدثها القنابل الإسرائيلية.
- أطلق الاحتلال، منذ بدء العدوان، تهديدات بقصف مستشفيات «المعمداني، الكويتي، العودة، الخدمة العامة»، لاعتقاده الخطأ أن قيادة المقاومة تتّخذها نقاطاً حصينة تقود عبرها المعركة. وعلى وجه التحديد، هدّد مستشفى «المعمداني» قبل يوم واحد من ارتكاب المجزرة.
- لا يقع مستشفى «المعمداني» في مسار الصواريخ الثقيلة التي تضرب مدن العمق مثل يافا والقدس وتل أبيب، بل على بُعد بضعة كيلومترات منها في عمق الحدود، تتواجد مواقع عسكرية صغيرة، مثل «ناحل عوز»، وتجمّعات الآليات. وهذه الأخيرة تستخدم المقاومة لقصفها قذائف «الهاون» الصغيرة والصواريخ محدودة المدى والتأثير، والتي عادةً ما تطلقها من مناطق قريبة من الحدود، حتى تستطيع الوصول إلى أهدافها.