القاهرة | ردود فعل واسعة تبعت كلمة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أمام ضيفه، المستشار الألماني، أولاف شولتس، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تباينت التعليقات على حديثه، أو من خلال البيانات الرسمية المؤيّدة لتشبّثه برفض تهجير الفلسطينيين إلى مصر، والتي وصل بعضها إلى «تفويض الرئيس» اتّخاذ ما يلزم من قرارات، في استدعاء لتفويضات سابقة كان السيسي حصل عليها، خصوصاً في بداية حُكمه، ولعلّ أشهرها إبان الحرب التي شنّها على «الإرهاب» في سيناء. أيضاً، فوجئ المتابعون بدعوة السيسي غير المباشرة، 105 ملايين مصري، إلى التظاهر دعماً للفلسطينيين، وتأييداً لموقفه من مخطّط توطين أهالي غزة في مصر، وذلك في موازاة إعلان الحداد العام لثلاثة أيام بعد الهجوم الإسرائيلي على مستشفى «المعمداني»، وهو ما قرئ على أنه موقف سياسي، كون القاهرة أرجأته إلى ما بعد مؤتمر السيسي - شولتس.أمّا مقترح الرئيس نقل الفلسطينيين من غزة إلى صحراء النقب بدلاً من سيناء، كـ»حلٍّ إلى حين انتهاء العدوان» الإسرائيلي على القطاع، فوضعه كثيرون في خانة مناكفة إسرائيل، ولا سيما في ظلّ «الاتهامات» التي تكيلها الأخيرة للجانب المصري بدعم فصائل المقاومة. وظهر جليّاً، خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمع السيسي إلى شولتس، في قصر الاتحادية، أمس، عمق الخلاف المصري - الإسرائيلي، والذي تساوق مع رسائل نُقلت إلى السيسي والمخابرات العامة، عبر وسطاء أوروبيين، تشير فيها تل أبيب إلى «دعم القاهرة المقاومة الفلسطينية، ودفاعها عن الفصائل في هجومها على المستوطنات». وفي كلمته، رفض السيسي بصورة قاطعة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ولو بشكل مؤقّت. وفي ما يبدو ردّاً على ضغوط واسعة تتعرّض لها مصر للقبول بهذه الخطّة، قال السيسي إن نقل الفلسطينيين إلى سيناء «يعني ببساطة نقل فكرة المقاومة... فكرة القتال من القطاع إلى سيناء»، مضيفاً: «نحن نرفض تصفية القضيّة الفلسطينية». وعلى رغم إلغاء القمّة الأردنية - المصرية - الأميركية، في عمّان، يَظهر أن السيسي أراد إيصال موقفه حيال مسألتَي التهجير والتوطين، إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، الموجود في إسرائيل لإبداء «التضامن»، خصوصاً بعدما اعتبر أن «توطين الفلسطينيين في سيناء»، من شأنه أن يجرّ مصر إلى «حرب مع إسرائيل».
أصبح الصدام مباشراً بين السيسي ونتنياهو، في ظلّ رفض الأخير وقْف الضربات الجوية على معبر رفح من الجانب الفلسطيني


وما قاله السيسي في العلن، ليس سوى جزء من عدّة رسائل مصرية وصلت إلى إسرائيل عبر وسطاء، في ظلّ انخفاض مستوى التواصل بينهما، حيث يُعتبر في مراتبه الأسوأ منذ ما يزيد على عقد، وذلك على خلفية رفض القاهرة المقترحات الأميركية - الإسرائيلية. وإذ حذّر السيسي من تداعيات حصار غزة، والاستمرار في منْع دخول المساعدات إليها، فهو أتبع ذلك بتحذير من ردّ فعل شعبي غاضب، ليتمّ السماح، بعد إدلائه بموقفه هذا بساعات، للمرّة الأولى، بخروج تظاهرات في الشوارع والجامعات، تنديداً بالعدوان الإسرائيلي. ولم تمرّ دقائق على انتهاء المؤتمر الصحافي المشترك، حتى بدأت مؤسّسات مصرية، دينية وثقافية وفنية وتعليمية، الإشادة بكلمة الرئيس، و»تأييد موقف القيادة السياسية»، وفق ما جاء في بيان للكنيسة الكاثوليكية، فيما أعلنت «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة للأجهزة الأمنية، والتي تسيطر على المجال الإعلامي في مصر، «تأييدها موقف السيسي من القضيّة الفلسطينية». كذلك، تتالت بيانات التأييد والتفويض من قِبَل الحركات السياسية، مِن مِثل «تنسيقية شباب الأحزاب»، و»التحالف الوطني» الذي أعلن دخوله في اعتصام مفتوح أمام معبر رفح، حتى دخول المساعدات إلى الفلسطينيين.
في هذا الوقت، قرّرت إسرائيل استدعاء سفيرها وطاقم سفارتها بالكامل من مصر، وسط توقّعات بأن تقدِم القاهرة على خطوة مماثلة في الساعات المقبلة. وتوقّع مصدر مطّلع، في حديث إلى «الأخبار»، أن تستدعي مصر سفيرها لدى إسرائيل، للتشاور، وذلك بعد إعلان رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، أمام الرئيس الأميركي، أن «إسرائيل لن تسمح لمصر بفتح معبر رفح» لإدخال المساعدات - على رغم أن بايدن عاد وأعلن موافقة تل أبيب على فتح المعبر -. وأضاف المصدر أن مسألة التوطين «أصبحت علنية، وعلى لسان مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بعدما كان يجري الحديث عنها في الغرف المغلقة، وهو ما يرجّح تصاعداً في وتيرة التصريحات التصعيدية المتبادلة بين الجانبَين المصري والإسرائيلي خلال الأيام المقبلة».
وخلال زيارة الرئيس الأميركي لتل أبيب، أمس، جرت اتصالات بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأميركيين، بمشاركة مسؤولين إسرائيليين، اتُّفق في خلالها على أقلّ بكثير ممّا كان متوقّعاً، ولا سيما لجهة حصول القاهرة على موافقة مبدئية على إدخال مساعدات يوم غد الجمعة عبر معبر رفح، والبدء بإجلاء الأجانب من القطاع. وتنتظر المساعدات المؤلّفة من مئات آلاف الأطنان، منذ يومين، عند باب المعبر، حيث تمّ تجهيز عبورها بشكل سريع، وسط تزايد التحذيرات من تبعات الأزمة الإنسانية في القطاع، وفي ظلّ التهديدات الإسرائيلية باستهداف جزء من مواد الإغاثة، إذا ما تجاوزت كمياتها ما جرى الاتّفاق عليه. ومع ذلك، يعمل الجانب المصري على إيجاد آلية مستدامة للتعامل مع الأزمة الإنسانية خلال الأسابيع المقبلة، ولا سيما في ظلّ توقّعات باستطالة أمد الحرب الإسرائيلية، واستمرار عمليات استهداف البنية التحتية في القطاع.
وأفادت مصادر مطّلعة، «الأخبار»، بأن ما تطمح القاهرة إلى تحقيقه يتمثّل في إيصال المساعدات إلى المستشفيات في غزة، والمؤسّسات التابعة لـ»الأونروا» التي تحوّلت إلى ملاجئ شبه آمنة للغزيّين، في موازاة تكثيفها الضغط على المنظّمات الدولية من أجل التحرّك، وثباتها على الموقف الرافض لإخراج مئات الأميركيين من القطاع، من دون إدخال المساعدات، ورفضها أيضاً الحديث عن عمليّة تفاوض في شأن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.