توازياً مع الحرب الدائرة في قطاع غزة حيث يتطلّع إلى اجتثاث المقاومة من خلال حملة إبادة يقودها ضدّ الفلسطينيين، تدور «حرب» من نوع آخر في أروقة المستوى السياسي المسؤول عن أكبر فشل في تاريخ الكيان، عنوانها حفظ المستقبل السياسي لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي لم يَخرج على الإسرائيليين معتذراً عن انتهاك «العهد المقدّس» بين «الدولة» و«المواطنين»، والمتمثّل في الفشل في حمايتهم. وبعد مُضيّ أسبوعين على بدء الحرب، يُظهر نتنياهو ووزراء حكومته إصراراً على «المصارعة» لحفظ رؤوسهم في اليوم التالي للمعركة، وذلك على الرغم من أنه لا يزال من المبكر جدّاً التنبّؤ بمسارات العدوان أو نتائجه.

ولخّصت الصحافية في «هآرتس»، أور-لي بارليف، هذه المصارعة بمجموعة نقاط، أبرزها أن «نتنياهو يمارس سياسة ساخرة وباردة على ظهور أهالي المختطفين»، فيما زوجته، سارة، «أوصت بعدم التعاون مع طاقم وزارة الأمن المُعدّ لتقدير الأضرار الأوّلية من أجل بدء إعادة إعمار الغلاف، والسبب أن على رأس هذا الطاقم، لواء من الاحتياط شارك في احتجاجات كابلان ضدّ الانقلاب القضائي الذي قادته حكومة زوجها، وكان من بين الشخصيات التي قدَّمت استئنافاً للمحكمة العليا ضدّ قانون إلغاء حجة المعقولية». إضافة إلى ذلك، «أخّرت (سارة) تشكيل حكومة الوحدة، وأعاقت التوصّل إلى اتّفاق مع (رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور) ليبرمان»، في وقت تولّى فيه وزير الاتصالات، شلومو كرعي، مهمّة وضع «أنظمة فاشية تصل إلى حدّ سجن المواطنين الذين «سيضرّون بالروح المعنوية الوطنية» - أي ينتقدون الحكومة»، في موازاة «رفض وزير المالية، بتسلئيل سموترتش، تجميد تحويل ميزانيات الائتلاف».
كلّ ما تقدَّم، يمكن وضعه في كفة، فيما «إرجاء مكتب نتنياهو مطالبة وزير الأمن، يؤاف غالانت، بإجراء محادثة مع رئيس الحكومة بخصوص مسألة عملياتية ملحّة» ينزل في كفة أخرى تماماً، جنباً إلى جنب «إلقاء نتنياهو اللوم على الحركة الاحتجاجية، و»الجنرالات السابقين»؛ حيث أدار حملة مسعورة لإنقاذ جلده من حريق الحرب»، تولّتها خصوصاً «القناة 14» الإسرائيلية، التي تديرها شبكة من المستوطنين، فضلاً عن «روبوتات أجنبية (ذباب إلكتروني) فُعّلت من أجل رفع شعبية نتنياهو في الشبكة العنكبوتية». ويُضاف إلى ذلك، ما كشفه محلّل الشؤون السياسية في «القناة الـ13»، سافي عوفديا، عن «منْع مكتب نتنياهو، الضباط العسكريين، من توثيق بروتوكولات الحرب، من خلال حرمانهم من إدخال أجهزة التسجيل معهم إلى اجتماعات الكابينت، مثلما كان متّبعاً في كلّ الحروب السابقة، وذلك على رغم أن هذه التسجيلات ذات أهميّة كبيرة على مستوى سَيْر العمليّات العسكرية، وتطبيق الأوامر في الميدان»، وهو ما أفضى إلى «مواجهة بين حرّاس أمن مكتب نتنياهو وغالانت، الذي لجأ إلى الشاباك لتقديم شكوى، مهدّداً بإحضار قوّة من غولاني للتصدّي لهم»، وفق ما كشف موقع «واللا» الإلكتروني.
ووفقاً لبارليف، فإن ما سبق «مجرّد جزء من قائمة طويلة لا تشير إلى عجز نتنياهو ووزرائه عن إدارة الحرب فقط، بل تشكّل دليلاً على أنهم السبب بإلحاق الضرر بالمجهود الحربي وأمن البلاد»، معتبرةً أن «وجود غانتس وآيزنكوت (وكلاهما رئيسا أركان سابقان) في مجلس الحرب، ليس له أيّ تأثير على مسار الجنون»، مطالبةً، شأنها شأن مئات الآلاف الآخرين، الحكومة ورئيسها، بـ«الاستقالة». لكنّ الأمر بلغ حدّاً أبعد من ذلك بكثير؛ إذ كشف الصحافي أوري مسغاف، في صحيفة «هآرتس»، أنه «في خلال اللقاء مع عائلات الأسرى المختطفين، زجّ نتنياهو خفية برجله شموئيل (زنغي) ميدد، المدير التنفيذي لمنظمة «حونينو» (الاستيطانية). أمّا زوجته، إيتي ميدد، فقد زجّ بها نتنياهو، منذ أيام، في تظاهرات عائلات المختطفين، لتعلن باسمهم أن العائلات ترفض صفقة إفراج، وتدعو إلى اجتياح غزة من دون أخذ أيّ أمر آخر (ومن ضمنه «سلامة أبنائها المختطفين») في الاعتبار». وأشار إلى أنه «لا يوجد للزوجَين إيتي وشموئيل، أيّ أقرباء من الدرجة الأولى في صفوف الأسرى الإسرائيليين»، ما يعني أن نتنياهو يزجّ بهؤلاء بين أهالي الأسرى الإسرائيليين في غزة، للحصول على «غطاء» لتنفيذ عمليّات عسكرية قد تفضي إلى موت هؤلاء في الأسر.
طوفان الغضب ضدّ نتنياهو وحكومته، يقوده أيضاً مَن بقي حيّاً من مستوطني «غلاف غزة» بعد «السبت الأسود»


طوفان الغضب ضدّ نتنياهو وحكومته، يقوده أيضاً مَن بقي حيّاً من مستوطني «غلاف غزة» بعد «السبت الأسود»؛ فقد نشر آلاف من هؤلاء مقاطع مصوّرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يطالبون فيها الحكومة بالاستقالة. وفي هذا الإطار، قالت المستوطِنة، أفيفيت جون، من «كيبوتس بئيري»، من مقرّ نزوحها في أحد فنادق البحر الميت، إن «أعضاء الكنيست والوزراء استغلّوا بكلّ وقاحة حقيقة أن الكيبوتس فرغ من سكّانه، استغلّوا ذلك بكلّ بساطة بينما نحن منشغلون بدفن قتلانا، ليزورونا!»، وتساءلت، في فيديو لاقى انتشاراً واسعاً على الشبكة العنكبوتية: «ألا يكفيكم أنّكم تخلّيتم عنّا، ولم تحمونا؟ والآن تقتحمون بيوتنا في غيابنا، وتقولون إنكم ستجلبون الأنوية التوراتية لتسكن هناك؟ لا أريد العودة إلى الكيبوتس بعد عامٍ ونصف عام، ولا أريد للأنوية التوراتية أن تأخذ مكاني هناك. أريد العودة حالاً، ولكن كيف ستحموننا؟ بالجنود الذين قُتلوا؟ بالدبابات التي دُمّرت؟ بالطائرات التي تخلّت عن حمايتنا؟».
أمّا المستوطن بار حيفتس، الذي نزح مع عائلته من «كيبوتس نيريم»، إلى أحد فنادق إيلات، فقال: «نحن هنا منذ أكثر من أسبوع، ولم نلتقِ بعد بدولة إسرائيل... الحقيقة هي أنّنا لم نلتقِ بها من قَبل، منذ ما يقرب من 15 عاماً. والآن، لسنا مهتمّين بزيارة وزراء الحكومة أيضاً». وتساءل غاضباً: «ما الذي فعلته هذه الحكومة باستثناء أنها رمت لنا فتات الميزانيات والمزايا الضريبية للجم غضبنا؟ نتنياهو، الذي لم يكلّف نفسه عناء زيارتنا ولو مرّة واحدة خلال كلّ هذه السنوات بادّعاء أنّنا لا نصوّت له، لم يكلّف نفسه عناء ذلك الآن، أيضاً لأنّنا لن نصوّت. لكن عليه أن يَعرف أنه ليس رئيس وزراء جمهوره فحسب، بل هو رئيس وزرائنا جميعاً، وبما أنه لا يفهم ذلك، فكفى... فليرحل وليتركنا وشأننا، وليأتِ شخص آخر ليدير هذه الحرب».
ما تقدّم تقاطع أيضاً مع ما قاله المستوطن آفنر نحوشتان، من «كيبوتس ريعيم»، والذي ظلّ 24 ساعة متواصلة محاصَراً مع عائلته في الملجأ؛ إذ اعتبر أنه «ينبغي على هذه الحكومة أن تطير فوراً. لا ثقة لديّ بالمنظومة السياسية في إسرائيل اليوم، ونقطة». وهو ما قالته كذلك المُستَوطِنة ديغانيت هوش، من «الكيبوتس» نفسه؛ إذ، بحسبها، فإن «العقد بيني وبين الدولة انتهى بشكل كامل، ولا أعرف كيف أثق بدولة إسرائيل. لديّ غضب شديد، لا أستطيع أن أجد السلام... وبالنسبة إليّ، فإن الثقة فقط هي في إخوة السلاح والمواطنين الإسرائليين. لا أريد رؤية أيّ وزير. لا أثق بدولة إسرائيل». أمّا آله حايمي، زوجة تال حايمي من كيبوتس «نير يتسحاق»، والذي حاول مع آخرين من أبناء المستوطنة صدّ هجوم المقاومين واختفت آثارهم منذ ذلك الحين، فطالبت بشيء واحد: «فقط ارحل. استقل (يا نتنياهو)، هذا فقط ما سيمنحنا السلام، ارحل ودع الآخرين ليتولّوا المهمّة!».
وقدّم ليئور شلاين، مقدّم الكوميديا السياسية على شبكة «ريليفانت»، «عرضاً» مدّته تسع دقائق بعنوان «أغلق فمك». وفيه، وثّق كيف يلقي وزراء نتنياهو الاتهامات على جميع المستويات، متنصّلين من مسؤولياتهم. وسخر من أن حملات رئيس الحكومة الانتخابية قامت على وعود لسكّان «الغلاف» بتنمية المنطقة والازدهار، والادّعاء بأنه «إذا كنتم تريدون أن يأتيكم داعش من غزة، فصوّتوا لليسار - مركز»، فيما شهد مستوطنو «الغلاف»، كما يشبّهون ما حصل، «وصول داعش خلال ولاية نتنياهو، وأكثر الحكومات تطرُّفاً على الإطلاق». وختم أنه للمفارقة، فإن «(حزب) ليكود الأمس، بقيادة المنظّر التصحيحي الصهيوني، زئيف جابوتنسكي، علّمنا أن الصمت هو رجس، بينما ليكود اليوم (بقيادة نتنياهو) يطلب منّا أن نصمت حفاظاً على أرواحنا»، مطالباً الإسرائليين بالنظر إلى ما يجري، وانتقاد الحكومة «بالذّات لأنها تريد لنا أن نصمت، وألّا ننتقد ما تفعله، ويجب علينا فعل ذلك، أتعرفون لماذا؟ لأنه إذا لم نصمت فسيفعل كلّ شيء لكي يبقى في الحكم».