تمتلئ سجلّات الوسط الرياضي الأوروبي بانتهاكاتٍ حقوقية ضد اللاعبين «الأجانب». حرية الرأي والتعبير موجودة ظاهرياً لمن يناصر توجّهات الحكومات هناك، أمّا من ينطق بالحق، فيصبح «إرهابياً» بالنسبة إلى الغربيين.دائماً ما تندّد أوروبا بالقمع السائد في بلدان العالم الثالث ـ كما تصفها ـ مشيحةً البصر عن تاريخها وحاضرها المليئيْن بالإساءات العنصرية إلى الرياضيين المهاجرين، الذين وللمفارقة، تركوا بلدانهم صوب ضواحي أوروبا هرباً من واقع مأساوي ساهمت الدول الغربية نفسها في صُنعه.
هؤلاء اللاعبون يُقمعون في «بلاد الحريات» بكلّ الطرق، بدءاً من نشر الذعر من طقوسهم الدينية وصولاً إلى محاولة منعهم من تمثيل بلادهم في بعض المسابقات القارية. تلك البلاد تعرّضت لحملات غربية ممنهجة أيضاً، عكست النظرة الاستشراقية التي ينظر بها الغرب إلى باقي العالم. ظهر ذلك جلياً من خلال عنصرية الأقلام المأجورة عند استضافة قطر لبطولة كأس العالم 2022، كأول بلد عربي يستضيف العرس الكروي الكبير، كما عبر محاولة إظهار «الشرق» كخلفية ثقافية دونية لا تتوافق مع القيم الغربية «البيضاء».
الوضع «المَقيت» اختصره اللاعب الألماني من أصل تركي، مسعود أوزيل، قبل سنوات بجملة وجّهها إلى الاتحاد الألماني لكرة القدم على خلفية حملة عنصرية تعرّض لها، حيث قال: «أنا ألماني عندما نفوز، لكنني مهاجر عندما نخسر».
اعتزل أوزيل اللعب الدولي حينها، ويبدو أن العديد من اللاعبين «الأجانب» في أوروبا سوف «يُرغمون» على الاعتزال الدولي والمحلّي خلال الفترة المقبلة، على خلفية دعمهم لفلسطين وتنديدهم بالهجوم الصهيوني الوحشي.
ومن اللاعبين المعرّضين لعقوباتٍ غربية بعد رفضهم الرضوخ للرأي الأوروبي، يبرز الفرنسي من أصل جزائري كريم بنزيما، حامل الكرة الذهبية في نسختها الأخيرة.
يواجه لاعب ريال مدريد السابق والاتحاد السعودي حالياً حملة عنصرية ممنهجة من الوسط الفرنسي، إثر نشره على موقع «إكس» موقفاً تضامنياً مع غزة قال فيه: «كل صلاتنا لسكان غزة، الذين أصبحوا مرة أخرى ضحايا القصف الظالم، الذي لا يترك طفلاً أو امرأة».
تغريدة لاقت اعتراضات في الأوساط الغربية، حيث اتُّهم بنزيما من قبل وزير الداخلية الفرنسي، جيرال دارمانين، بالارتباط بتنظيم الإخوان المسلمين، كما طلبت السيناتور الفرنسية، فاليري بوير، تجريد اللاعب الجزائري الأصل من جائزة الكرة الذهبية والجنسية الفرنسية إذا تم التحقّق من ادعاءات وزير الداخلية، وهو ما ندّد به محامي المهاجم الدولي الفرنسي السابق مشيراً إلى أن الاتهامات «غير معقولة»، ومهدّداً بالتوجه لرفع دعوى ضد الوزير العنصري.
«اللوبي» الغربي الرافض لمناصري فلسطين، استهدف العديد من الرياضيين أيضاً، حيث اضطر اللاعب الجزائري يوسف عطال إلى التراجع عن تدوينة أعلن فيها تضامنه مع الشعب الفلسطيني، بأمرٍ من فريقه نيس الفرنسي، ورئيس بلدية المدينة الذي هدّده بطرده من مكان إقامته. وأعلن النادي عبر موقعه الرسمي فرض عقوبات تأديبية على اللاعب، قبل أن تفتح النيابة العامة في مدينة نيس تحقيقاً ضد نجم المنتخب الجزائري بتهمة «الدفاع عن الإرهاب» و«التحريض على الكراهية أو العنف على أساس دين معيّن».
عبّر أوزيل عن كل ما يحصل عندما قال: «أنا ألماني عندما نفوز، لكنّني مهاجر عندما نخسر»


وفي ألمانيا، فسخ نادي ماينز تعاقده مع اللاعب الهولندي من أصول مغربية، أنور الغازي، على خلفية مساندته للقضية الفلسطينية من خلال تغريدة نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يتعرّض لاعب منتخب تونس ونادي يونيون برلين الألماني، عيسى العيدوني، لهجمات «افتراضية» عدوانية من قبل جماهير النادي بسبب إعلان تضامنه مع فلسطين. وساند المغربي نصير مزراوي القضية أيضاً من خلال منشور له على منصة «إكس»، ما دفع جماهير بايرن ميونيخ الألماني إلى شنّ حملة على اللاعب.
تجدر الإشارة إلى أن القمع الغربي انسحب إلى رياضات أخرى، حيث حذف الاتحاد الدولي للسباحة جميع صور السبّاح المصري، عبد الرحمن سامح، على خلفية تضامنه مع فلسطين خلال تسلّمه الميدالية الذهبية في بطولة كأس العالم قبل أيام، قبل أن يتقدّم الاتحاد «الإسرائيلي» للسباحة بشكوى إلى الاتحاد الدولي للعبة، فيما طالب اتحاد التنس «الإسرائيلي» نظيره الدولي ورابطة المحترفات بمعاقبة البطلة التونسية، أُنس جابر، على خلفية مساندتها للشعب الفلسطيني أيضاً.
حملة وقحة يقودها الغرب ضد كل من يتضامن مع فلسطين، متناسياً أن إنجازاته الرياضية وراءها رياضيون من أصول عربية وأفريقية، لو أنهم عادوا إلى بلدانهم التي أرهقها الاستعمار لكانت نتائج أوروبا في الرياضة لا تساوي شيئاً، وربما يأتي هذا اليوم ويعود الغرب إلى حجمه الطبيعي.