لم يكَد الرئيس الأميركي، جو بايدن، ينهي زيارته العاجلة إلى تل أبيب، معلناً احتضان الكيان وتصديق أكاذيبه والدعم المطلق له في حرب إبادة الفلسطينيين، حتى دوّت انفجارات عديدة في أبرز قاعدتَين أميركيتَين في سوريا، هما «التنف» على الحدود مع العراق والأردن، و»كونيكو» في ريف دير الزور، قبل أن يتبع ذلك تفجير خطّ الغاز الواصل إلى القاعدة الأخيرة نفسها، وتبنّي «المقاومة الإسلامية في العراق» الهجمات في سوريا، ومن ثمّ إعلان مسؤوليتها عن هجوم جديد بطائرة مسيّرة على قاعدة عين الأسد غربي بغداد.والهجوم الأول الذي استهدف «كونيكو»، والذي لم تعلن واشنطن عن نتائجه ببيان رسمي، أسفر وفق مصادر ميدانية عن «أضرار مادية مؤكّدة» في قاعدة معمل الغاز التي تعرّضت لـ«قصف بخمسة صواريخ على الأقلّ، سقطت داخل القاعدة ومحيطها». وبيّنت المصادر أن «الاستهداف أدى إلى استنفار كبير لجنود الاحتلال الأميركي داخل القاعدة، مع تحليق مكثّف للطيران الحربي والمروحي، وتسيير دوريات على الأرض، في محاولة لضبط منصّات صواريخ خشية من استهداف جديد للقواعد في المنطقة»، ليتبع ذلك، سريعاً، تفجير مجهولين خط أنابيب الغاز الواصل إلى القاعدة نفسها. أمّا في قاعدة التنف فتمكّنت «ثلاث مسيّرات من اختراق تحصينات القاعدة الأميركية الأكبر في سوريا، واستهدافها بشكل مباشر»، وفق مصادر ميدانية أشارت إلى أن «الاستهداف نجح رغم ادّعاء الأميركيين وفصيل جيش سوريا الحرة الموالي لهم، الجاهزية العالية للتصدّي لأيّ اعتداء جوي على القاعدة». واعترف مسؤول أميركي، في حديث إلى قناة «الجزيرة» مساء أمس، بـ«وقوع إصابات طفيفة في صفوف قواتنا، جراء هجوم بمسيّرتَين على قاعدة التنف»، بعدما كانت «القيادة المركزية الأميركية» (سينتكوم) قد أصدرت بياناً أعلنت فيه تصدّيها لثلاث مسيّرات حاولت استهداف قواعدها في العراق (عين الأسد وحرير)، مضيفةً أن قواتها اشتبكت مع طائرتَين مسيّرتين ودمّرت إحداهما، وتمكّنت من إلحاق أضرار بالثانية، مشيرة إلى أن الهجوم أسفر عن إصابة طفيفة بين «جنود قوات التحالف المتمركزين في العراق». وليل أمس، أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، أيضاً، أنها شنت هجوماً جديداً بطائرة مسيّرة على «عين الأسد»، فيما اعترف «البنتاغون» بوفاة مقاول أميركي نتيجة ما قال إنها سكتة قلبية أصابته لدى بحثه عن مخبأ في الهجوم الأول على القاعدة.
تأتي هذه الاستهدافات بعد التهديد الذي أطلقته المقاومة العراقية بأن «كلّ القواعد الأميركية في سوريا والعراق باتت هدفاً مشروعاً» لها، وذلك «إلى حين إيقاف القصف الإسرائيلي على أهالي قطاع غزة». وقال المتحدث الرسمي باسم «كتائب حزب الله - العراق»، جعفر الحسيني، في تصريحات إعلامية، إن «الأميركيين شركاء أساسيون في قتل أبناء غزة، وبالتالي عليهم تحمّل العواقب»، مضيفاً إن «الكتائب، منذ اليوم، بدأت عملياً بتوجيه ضرباتها إلى القواعد الأميركية». وتابع أن «الأميركيين يعرفون جيداً إمكانات المقاومة العراقية، والتي تضاعفت منذ فترات، ونحن اليوم في مرحلة قادرون فيها على ضرب كل القواعد الأميركية في العراق».
وكانت الولايات المتحدة قد كثّفت إجراءاتها الأمنية لتحصين قواعدها في العراق وسوريا بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، لتأتي عمليات اليومين الماضيين وتفتتح مرحلة جديدة عنوانها تحوّل تلك القواعد إلى هدف واضح ومباشر للردّ على الجرائم التي يتعرّض لها الفلسطينيون في القطاع، ضمن الإمكانات المتاحة لدى المقاومة، التي أثبتت عبر هذه الهجمات الخاطفة امتلاكها القدرة على تجاوز التحصينات الأميركية وإلحاق الضرر بقواعد الاحتلال.
تأتي هذه الاستهدافات بعد تهديد أطلقته المقاومة العراقية بأن «كلّ القواعد الأميركية في سوريا والعراق باتت هدفاً مشروعاً»


وفي السياق، أكدت مصادر مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «أهمية استهداف القواعد الأميركية هذه المرة، تأتي من إثبات المقاومة قدرتها على اختراق كلّ التحصينات الأميركية المستقدَمة إلى سوريا خلال الأشهر الستة الأخيرة»، مشيرة إلى أن «صواريخ المقاومة ومسيّراتها نجحت في الوصول إلى القواعد الأميركية، بالرغم من استقدام الأميركيين بطاريات دفاع جوي ومنظومة هيمارس ومناطيد مراقبة وكاميرات مراقبة حرارية لحماية القواعد من الاستهداف». وأشارت المصادر إلى أن «رسائل الاستهداف مزدوجة هذه المرة، الأولى هي للتأكيد أن خروج الأميركيين من المنطقة حتمي، وأن المقاومة مستمرة إلى حين تحقيق هذا الهدف، والثانية أنها تأتي ردّاً على الدعم الأميركي للكيان الصهيوني في حربه على غزة ودفاعه عن الكيان في المحافل الدولية»، مضيفةً إن «التصعيد ضدّ القواعد الأميركية غير الشرعية سيكون زخمه كبيراً، إلى حين إيقاف القصف على غزة وإنهاء معاناة أهالي القطاع».
ولا تُعدّ الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا أمراً مستحدثاً أو طارئاً، إذ شنّت فصائل المقاومة، طوال السنوات الماضية، هجمات عديدة طاولت القواعد الأميركية في المناطق النفطية السورية، وعلى رأسها قاعدة «التنف» التي تتمتّع بخصوصية كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة بسبب موقعها الجغرافي المهم، وقربها النسبي من الأراضي التي تحتلّها إسرائيل. ولعلّ هذه الخصوصية جلّتها الزيارات التي أجراها مسؤولون رفيعو المستوى في الجيش الأميركي إلى القاعدة، بالإضافة إلى حجم التحصينات التي نصبتها واشنطن في محيطها، علماً أن «التنف» أدّت منذ إنشائها عام 2014 دوراً بارزاً في عمليات الرصد والمراقبة، إلى جانب تأمينها مجالاً جوياً استغلّته إسرائيل في شن هجمات على سوريا.
وإلى جانب ذلك، تتهم دمشق وموسكو، واشنطن، بتحويل القاعدة إلى مركز دعم خلفي لتنظيم «داعش» الذي ينشط في البادية، سواء عن طريق دعمه بالسلاح والعتاد بشكل مباشر، أو عن طريق تقديم إحداثيات لخلايا التنظيم المنتشرة في البادية، والتي تشنّ هجمات متواترة، ارتفعت حدّتها مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة. واستدعى ذلك استقدام الجيش السوري والفصائل الرديفة له تعزيزات إلى منطقة البادية في ريفَي حمص وحماة، وتنشيط عمليات التمشيط اليومية، منعاً لوقوع أيّ اختراقات متوقعة من قبل عناصر «التنظيم».
في هذا الوقت، ظهر شيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل، الذي يقود التمرّد ضدّ «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) في دير الزور، في تسجيل مصوّر جديد بين مقاتلي العشائر، أعلن فيه استمرار العمل المسلّح ضدّ «قسد»، مطالباً المدنيين بالابتعاد عن مواقع القوات التي يقودها حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي، متوعّداً الأخير بهجمات موجعة خلال الأيام المقبلة. ويفتح هذا الإعلان الباب أمام فصل جديد من الصراع الذي حاولت واشنطن إنهاءه عبر تقديم الدعم الكامل لـ«قسد» لقمع قوات العشائر، بالتزامن مع الإعلان عن وساطة لإجراء مصالحة لم تصل إلى طريق واضح، في ظلّ إصرار الأكراد على التحكّم الكامل بمناطق سيطرتهم، ونقل القوات العشائرية العربية إلى مواقع بعيدة عن قراها في دير الزور.
كما يأتي التسجيل بعد أيام من نشر تسجيل صوتي، دعا خلاله الهفل العشائر العربية إلى الانضمام إلى قواته، والمقاتلين العرب في صفوف «قسد» إلى الانشقاق. وكانت «قسد» وواشنطن قد اتّهمتا دمشق وطهران بدعم العشائر من أجل «زعزعة الاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية»، علماً أن قوات الهفل كانت جزءاً من «قسد» قبل أن تبدأ الأخيرة تحجيم حضور العشائر في إدارة المناطق التي تسيطر عليها، والتحكّم المطلق بالمواقع النفطية التي تمثّل أهم مواردها المالية، إلى جانب المساعدات الأميركية المستمرة.