بغداد | في الوقت الذي استمرّت فيه الهجمات ضدّ القواعد الأميركية في العراق، وتدفَّق المتظاهرون المؤيّدون للمقاومة إلى محيط المنطقة الخضراء في بغداد، التي تضمّ السفارة الأميركية، تباينت مواقف الأحزاب الكردية ممّا يجري في فلسطين، إذ سجّل «الحزب الديموقراطي الكردستاني» موقفاً وصفه بعض المسؤولين والمراقبين بـ«الخجول»، متمايزاً بذلك عن الموقف الشعبي العام في العراق، بما فيه الموقف الشعبي في إقليم كردستان، والمجمع على تأييد المقاومة.وفي جديد الهجمات بالمسيّرات والصواريخ، أعلن مسؤول في «البنتاغون» أن القوات الأميركية المتمركزة قرب مطار بغداد تعرَّضت، أمس، لهجوم بصاروخين، تمّ اعتراض أحدهما، بينما سقط الثاني في مخزن فارغ، في ما يمثّل تصعيداً جديداً للهجمات التي استهدفت القواعد الأميركية في البلاد خلال الأيام الماضية. وفي الأثناء، عادت التظاهرات إلى المشهد، حيث توافد المتظاهرون ليتجمّعوا أمام الجسر المعلّق بالقرب من «المنطقة الخضراء» التي تضمّ السفارة الأميركية، فيما أغلقت القوى الأمنية الخاصة، بحماية «الخضراء»، الطريق المؤدي من ساحة الحرية (الحسنين) إلى الجسر المعلّق وبالعكس. وفي الوقت نفسه، نُصبت خيم اعتصام على الحدود العراقية - الأردنية، من قِبل متطوّعين كانوا قد توجّهوا إلى هذه الحدود، مطالبين بالسماح لهم بالانتقال إلى فلسطين للقتال مع أهل غزة.
وفي المواقف، بدا نافراً أن حكومة إقليم كردستان لم تنتقد في بياناتها الرسمية إسرائيل، مكتفيةً بإدانة الحرب، الأمر الذي يُرجعه مراقبون إلى رغبتها في الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، الداعمة للعدوان على غزة.
لكن المتحدثة باسم كتلة «الحزب الديموقراطي» النيابية، فيان صبري، دافعت بأن «موقف الحزب واضح وهو الوقوف مع غزة»، وأن رئاسة الإقليم وحكومته «مع حق الشعب الفلسطيني، متمثّلاً في القيادة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني، في إقرار مصيره». وأضافت «(إننا) نعارض العنف والإرهاب والإبادة الجماعية»، لافتةً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى «(أننا) في داخل مجلس النواب، قلنا نحن مع المساعدات الإنسانية، ونحن شعب إقليم كردستان نعلم ما هو الحصار وما هو الإرهاب وما هو العدوان. ولهذا السبب، نحن متضامنون مع غزة وقضيتها بكلّ أشكال الدعم المعنوي، ونتمنّى أن تدعم كلّ الجهات الرسمية السلام والاستقرار في الشرق الاوسط».
في المقابل، يؤكد القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، محمود خوشناو، أن «سياسة الاتحاد واضحة عبرَ التاريخ في ما يتعلّق بالحركات التحرّرية وحقوق الشعوب، بما في ذلك الشعب الفلسطيني». ويشير خوشناو، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «حكومة الإقليم تتبنّى سياسة الدولة العراقية الرسمية»، مبيّناً أن «من يتدخّل، سواء في المحافل الدولية أو المنظّمات والمجالس الدولية وفي القرار الرسمي العراقي، هو الخارجية العراقية. لذلك نحن نؤيد سياسة الحكومة العراقية وهي أسلم طريقة للأحزاب السياسية». ويأمل «إنهاء استهداف الأبرياء والاعتداء على الأطفال والشيوخ وتهجيرهم».
بدا نافراً أن حكومة إقليم كردستان لم تنتقد في بياناتها الرسمية إسرائيل


أمّا السياسي الكردي المعارض، ياسين عزيز، فيرى أن «المواقف الرسمية في إقليم كردستان تجاه ما يجري في غزة وفلسطين غائبة تماماً، بينما الموقف الشعبي الكردي أظهر تعاطفه الشديد، على رغم صمت حكومة الإقليم». ويلفت عزيز، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الأحزاب الإسلامية الكردية عبّرت عن مواقف مساندة بقوة لفلسطين، ولا سيما بعد أحداث غزة وما تعرّض له القطاع وأهله من عدوان إسرائيلي وحشي». ويلاحظ أن «البيان الرسمي للإقليم الذي دان قصف مستشفى المعمداني لم يسمّ الطرف المعتدي»، مرجّحاً «عدم صدور مواقف رسمية قوية من جانب حكومة الإقليم أو الأحزاب الرئيسة، لغرض عدم إثارة حفيظة الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لإسرائيل، وخاصة أن الإقليم عانى لفترة من تبعات فتور علاقاته مع الولايات المتحدة، بينما الآن يمرّ في مرحلة ترميم هذه العلاقة لإعادة موقعه القوي في الخريطة السياسية في العراق». ويتابع أن «القضية الفلسطينية لم تعُد شأناً مهماً لدى الطبقة السياسية في الإقليم، وخاصة أن القيادة الكردية تتلمّس مواقف عربية خجولة من القضية الفلسطينية». ويرى السياسي الكردي أن «القواسم التاريخية المشتركة بين الكرد والفلسطينيين تفرض على القيادة الكردية التعبير عن مواقف أقوى تجاه ما يتعرّض له شعب فلسطين، ولا سيما في أحداث غزة، تتوافق مع نبض الشارع الكردي المتعاطف مع فلسطين».
من جهته، يصف الناطق باسم «الاتحاد الإسلامي الكردستاني»، جمال كوجر، «ما يجري في فلسطين بأنه قصف وحشي وجرائم إبادة بحق المواطنين الأبرياء، وخاصةً النساء والأطفال، وبالأخص ما جرى للمستشفى المعمداني وقتل المحتمين به، الذين لم يبقَ لهم مكان يحتمون به من جراء تدمير كلّ مكان في غزة، من دون أيّ احترام أو التزام بالقوانين والمعاهدات الدولية». ويرى كوجر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «ذلك حدث بتحريض وتشجيع من الولايات المتحدة بشكل مباشر وصريح وفي ظلّ صمت الآخرين أو الاكتفاء فقط بالإدانات، ما يجعل الكيان الصهيوني يوغل أكثر في جرائمه ومذابحه ضدّ أبناء فلسطين». ويشدّد على أن «السكوت والتخاذل تجاه هذه المذبحة يعدّان تخلّياً عن الواجب الإسلامي والإنساني إزاء قضية الأمة المركزية أو خدمة للعدوان الصهيوني وشرعنته».