القاهرة | تنذر الأيام المقبلة بكارثة إنسانية في غزة التي تتعرّض لعدوان متواصل منذ 14 يوماً؛ ليس بسبب تأخُّر دخول المساعدات إليها فحسب، ولكن أيضاً نظراً إلى محدوديتها، فيما لم يستطِع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال زيارته لمعبر رفح من الجانب المصري، أمس، إحداث أيّ اختراق جديد في هذا المجال. وعلى رغم عبور 20 شاحنة كبيرة إلى القطاع، الجمعة، للمرّة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي (من دون أن تستطيع اجتياز الجانب الفلسطيني بسبب تضرّر الطرقات من جراء القصف)، إلّا أنها لا تحمل سوى الفتات الذي لا يكفي الآلاف حتى ليوم واحد، وهو ما يثير مزيداً من القلق، خاصة في ظلّ عدم انتظام العمل في المعبر على خلفية تكرار الاستهدافات الإسرائيلية.وترى القاهرة، من جهتها، أن فتح المعبر سيكون بمنزلة بداية لحلحلة المشكلة بصورة تتناسب مع المتطلّبات التي يتوجّب توافرها، في ظلّ وجود مئات آلاف الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدة، نظراً إلى الحصار المطبق الذي يعانونه. ولهذا السبب، طلبت السلطات المصرية، من غوتيريش وعدد من الدول الخليجية، أطناناً من المساعدات، بصورة فورية وسريعة، ذلك أن المعونات التي وصلت إلى مطار العريش، إلى الآن، تُعتبر هزيلة إذا ما قورنت بالاحتياجات اليومية للقطاع، في حين يجري الحديث عن مدى إمكانية إيجاد آلية تضمن نفاذ المياه والمحروقات إلى غزة، لضمان استمرار المستشفيات في العمل، وتوفير أساسيات الحياة للغزّيين، وسط غياب أيّ أفق لوقف إطلاق النار.
ولا تزال الجهود التي تقودها مصر، في سياق دعوتها إلى ضرورة وقف إطلاق النار، تصطدم برفض غربي مباشر، أميركي وبريطاني على وجه الخصوص، بذريعة «حاجة» إسرائيل إلى «الدفاع عن نفسها»، وهو ما يلقي بظلاله على أيّ حلّ تسعى القاهرة للتوسّط فيه، على رغم مواصلتها حراكها الدبلوماسي، إذ استقبلت، إلى الآن، كلّاً من الملك الأردني عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والمستشار الألماني أولاف شولتس، إلى جانب تنظيمها واحتضانها «قمّة مصر الدولية للسلام» الخاصّة بفلسطين، والمقرّر عقدها اليوم، وإنْ كانت التوقّعات حيال نتائجها منخفضة السقف، نظراً إلى الأسباب المذكورة، علماً أن عدداً من القادة الغربيين سيحضرون القمة، إلى جانب قادة المنطقة.
لا تزال الجهود التي تقودها القاهرة، في سياق دعوتها إلى ضرورة وقف إطلاق النار، تصطدم برفض غربي مباشر


وفيما لا تزال القاهرة تبذل ما في وسعها لتمرير المساعدات، شهدت مفاوضات الأيام الماضية صدامات حتى بين المفاوضين المصريين ونظرائهم الأميركيين، وذلك لأسباب قالت مصادر «الأخبار» إن من بينها «الحديث عن عدم وجود أيّ ضمانات لوصول شاحنات المساعدات بسلام إلى قلب قطاع غزة، والاكتفاء بالمنطقة الملاصقة للشريط الحدودي، بالإضافة إلى احتساب قوافل المساعدات الطبية التي تحمل معدّات ومستلزمات طبية فقط ضمن الشاحنات التي تحمل مواد إغاثة»، وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع. وترافق هذا مع إصرار أميركي على إخراج الأجانب من دون اتّباع الإجراءات اللازمة على الجانب الفلسطيني من المعبر، الأمر الذي قوبِل أيضاً برفض مصري. وإذ سعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى تحميل المصريين مسؤولية إغلاق المعبر، بقوله إن نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، «وافق على فتح معبر رفح الحدودي»، رفضت القاهرة الاتهامات الموجّهة إليها، مؤكّدة أن الاحتلال الإسرائيلي يستمرّ في قصف الجانب الفلسطيني من الممرّ، ويمنع مرور المساعدات. وفي السياق، قال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، عبر منصة «إكس»، إن «مسلسل استهداف مصر في الإعلام الغربي واضح منذ بداية الأزمة... الترويج لسيناريو التهجير... تحميلها مسؤولية غلق المعبر، على رغم أن إسرائيل استهدفته 4 مرات، وترفض دخول المساعدات... واليوم يتمّ تحميلها (مصر) مسؤولية إعاقة خروج رعايا الدول الثالثة»، مضيفاً أن «المعبر مفتوح ومصر ليست مسؤولة عن عرقلة خروجهم».
في هذا الوقت، شهدت المدن المصرية تظاهرات مندّدة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وبطرح فكرة تهجير أهالي القطاع إلى سيناء. وتزامنت التظاهرات مع حالة استنفار في وزارة الداخلية والجيش، إلى حين انتهاء حالة الطوارئ الداخلية المعلَنة، فيما بدأ الجيش تدريبات واسعة لم تكُن مدرجة ضمن خطّة التدريب، وذلك أيضاً في إطار استنفار القوات المسلّحة، فضلاً عن قرار إلغاء العديد من الفعّاليات الاحتفالية التي كان يُفترض أن تقام بالتزامن مع الذكرى الخمسين لـ«نصر أكتوبر». وبحسب مصادر عسكرية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «تدريبات مكثّفة تجري بالفعل منذ يومين في بعض الوحدات، بينما تتهيّأ وحدات أخرى لتنفيذ تدريبات أخرى مع احتمالية استدعاء عدد من قوات الاحتياط إلى المعسكرات»، وهو إجراء، وإنْ كان اعتيادياً بين الحين والآخر، إلّا أن تنفيذه في الوقت الحالي وبشكل غير مخطّط له مسبقاً، يحمل دلالات كثيرة.