خلال البث التلفزيوني المباشر للقصف الإسرائيلي المعادي على بلدة الضهيرة في الأيام الأخيرة، تتمايز ثلاثة مبان في سفح تلة يعلوها موقع جرداح الإسرائيلي، على بعد أمتار من الشريط الشائك. أصحاب البيوت الثلاثة، من آل سويد، نزحوا منذ أسبوعين، بعد استهدافهم بالقصف المدفعي قبل أن يلتحق بهم العشرات إثر الاستهداف اليومي للبلدة بالقذائف الفوسفورية. تفرقت العائلة بين مهنية صور وتكميليتها (عفت بزي). في إحدى غرف التكميلية، في محلة الشواكير، لا تزال يولا سويد طريحة الفراش بعد إصابتها بالقصف الإسرائيلي على منزل ذويها قبيل نزوحهم. والدها علي سويد يشرف على تقسيم الصف إلى غرف لخشيته «من أن تكون القصة مطولة». «أبو وليام» لم يستطع العودة إلى الضهيرة لتفقد منزله ومنازل أبنائه. يسأل المصورين الذين يغطون المعارك عن والده الذي رفض مغادرة البلدة، وعن حجم الضرر الذي لحق ببيته وبيوت أبنائه الأربعة.بعد آل سويد، نزح العشرات من الضهيرة لاحقاً إثر اشتداد القصف على البلدة، وبعدما رفضت الكتيبة الغانية إيواءهم في مركزها القريب. في المدارس الثلاثة التي خصصت لإيواء النازحين في مدينة صور، تجاور نازحو الضهيرة مع عائلات من عيتا الشعب وراميا وبيت ليف وراميا ويارين... استهداف الأحياء السكنية في عيتا الشعب أجبر آل سرور على النزوح. لفضيلة صالح تجارب عدة في الإيواء في صفوف المدارس، آخرها في عدوان تموز 2006. حينها، جرفت الدبابات الإسرائيلية منزلها في ساحة الضيعة القديمة. أعادت بناءه مع زوجها أنور سرور، ليتضرر مجدداً في القصف الإسرائيلي الأخير. شقيقة أنور، نوال سرور، أصيب منزلها الواقع في خراج البلدة بأضرار بالغة. تروح وتجيء في أروقة المهنية بقلق. تخاف على ما تبقى من منزلها وتعدّ الأيام لتعود إليه. فهي حاولت مرتين العودة عندما كان القصف يهدأ ليوم أو يومين، قبل أن تضطرّ إلى الهرب بعد تجدده حرصاً على أطفالها. تقول: «ما يهمّني هو أن تنتصر المقاومة سريعاً في غزة ولبنان لنعود إلى منازلنا».
٤٦٠٠ نازح في قضاء صور جرى إحصاؤهم حتى يوم أمس


على باب أحد الصفوف، وقفت أسيل عز الدين (9 سنوات) تمسك بمقبض الباب لأن أختها في الداخل تبدل ملابسها. أسيل وسالي (16 سنة) تختبران للمرة الأولى تجربة ترك منزلهما في راميا. «أجّل عدوان 2006 زواج أهلي. ولدنا ونشأنا ولا نعرف القصف الإسرائيلي» قالت سالي. الشقيقتان كوّنتا مجموعة من الأصدقاء الجدد. في الملعب، يلتقي الأطفال من أعمار مختلفة. يلعبون حول الغسيل المنشور وكراتين المساعدات والفرش والأغطية.
كشافة الرسالة الإسلامية حوّلت أحد الصفوف إلى مقر إدارة لـ«ملجأ» المهنية. يشير علي غزيل إلى أن الجمعيات المحلية والدولية تتولى تأمين لوازم النازحين من وجبات ساخنة إلى أدوات التنظيف والأغطية والفرش بإدارة اتحاد البلديات.
حتى يوم أمس، كان عدد النازحين المسجلين في لوائح وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور قد رسا على ٤٦٠٠ بعد وصول حوالي ٣٠ شخصاً من بلدة البياضة إلى المدارس. العدد مرشح للإزدياد ساعة بعد ساعة. مراكز الإيواء الثلاثة التي جهزها الإتحاد في مدينة صور لم تستوعب الأعداد المستجدة. بعضهم نزلوا لدى أقاربهم، وآخرون بحثوا عن شقق مؤقتة. بحسب رئيس الوحدة مرتضى مهنا، تغيّر عدد النازحين منذ بدء الأحداث، بعدما بلغ ذروته في الأيام الأولى ووصل إلى 1200 شخص. منهم من عادوا إلى منازلهم، ومنهم من توجّهوا نحو صيدا وبيروت، وبعضهم استقروا في شقق مستأجرة أو لدى أقاربهم. تكفي الجمعيات حاجات النازحين القليلي العدد. لكن الأزمة التي تواجه الاتحاد هي حاجة وزارة التربية إلى المدارس الثلاث لبدء العام الدراسي. ولفت مهنا إلى أن الأمر طرح مع رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، فوعد بتأمين مركز إيواء بديل في حال طالت الأحداث. وبحسب مهنا، فإن الوحدة تواحه صعوبة في تلبية حاجات النازحين المنتشرين في البلدات خارج مراكز الإيواء.