القاهرة | تسلّحت المطربة المصرية أنغام بالكيبورد، ودخلت يوم الخميس الماضي في وصلة شتائم طويلة مع المتحدث باسم «الجيش» الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على حسابه على X. هذه الوصلة جعلتها «ترند» على المنصة، وراحت الأخبار والتقارير تتناقل حديثها مع أدرعي تحت عنوان «أنغام تلقّن أفيخاي أدرعي درساً». لكن الحقيقة أنّ مَن يحتاج إلى الدرس، هو بعض هؤلاء الفنانين والفنانات ممن يعتبرون هذا الاشتباك مع متحدث باسم جيش الاحتلال بطولةً وانتصاراً يُضاهي العمليات العسكرية على الأرض!تعليق أنغام الأخير لم يكن الأوّل على أدرعي، بل إنّ القصة بدأت يوم الإثنين الماضي، حين ردّت أنغام على أدرعي حول دعواته للغزّاويين بالتوجه جنوب القطاع بالدعاء عليه «ربنا ياخدك ويريحنا من وشك». اختفى أدرعي قليلاً ولم يعد للتغريد سوى مع تتابع جرائم العدو بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وصولاً إلى ضرب «مستشفى المعمداني» يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. عند عودة أدرعي، وجد في تغريدة أنغام «لقمةً سائغةً» تُعيده هو الآخر إلى عرش «الترند» وهكذا كان، لتنساق المطربة المصرية خلفه وترد عليه مرة أخرى بمزيد من الهجوم والتأريخ والتذكير بحرب السادس من أكتوبر 1973.

لوحة للفنان السوري بطرس المعرّي كُتب عليها بالفرنسية: «كان يا ما كان في غزة»

لكن هل تعلم أنغام أنّها بهذا الاهتمام الكبير بالرد على المتحدث باسم جيش الاحتلال، قد قدمت له أكبر خدمة، ونفذت له تماماً ما يحلم به ويسعى إليه من ترويج لدولته إعلامياً؟ فتبادل التغريدات بينه وبين مشاهير العرب ـــــ حتى لو كان من باب التراشق أو حتى الإهانات ـــ يصبّ في مصلحته ويزيد من شعوره بأنه معترف به هو وكيانه. مجرّد تبادل الحديث مع المحتل ـــ مهما كانت طبيعة هذا التواصل ــــ هو سقطة تزيد من رصيد أدرعي، هو المعروف عنه دأبه على نشر تغريدات يستفزّ بها متابعيه العرب ليسرق منهم الاهتمام رغماً عنهم. فخّ كان ينبغي لفنانة مخضرمة بحجم أنغام عُرف عنها عدم الانسياق وراء الاستفزازات، أن تتنبّه له.
لا أحد يشكك بالطبع في وطنية المغنية التي دخلت ومحبّوها سجالاً حول أحقيّتها بلقب «صوت مصر» قبل أسابيع، ولكن يبدو أن الحمية أخذتها نتيجة الأحداث الجارية في مصر لا غزة. إذ تحوّل الفنانون والمشاهير في مصر إلى «الحرب» بعد دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 105 ملايين مصري للتظاهر من أجل رفض دعاوى التوطين. في الواقع، لم تكن أنغام ضمن هؤلاء الذين بدؤوا التغريد والحديث عن جرائم الاحتلال منذ بداية «طوفان الأقصى» مثل فنانات الجيل الصاعد كسلمى أبوضيف، وتارا عماد، وهدى المفتي، ومايان السيد اللواتي غامرن بتعاقداتهن مع الماركات العالمية الكبرى وناصرن القضية بمختلف اللغات غير آبهات بتداعيات هذا الموقف على مسيرتهن في عالم الدعاية. انضمّت أنغام إلى سيل من التأييد المفرط لدعوات الرئيس الذي تحوّل في معظمه إلى تأييد للسيسي ظهر في «تفويضات» له باتخاذ ما يلزم تجاه إسرائيل، وليس من أجل موقفه من التوطين الذي لا يختلف عليه المصريون، ولقي الترحيب من قادة المقاومة الفلسطينية. حديث أنغام دفع المذيع عمرو أديب للتعليق بذكورية تامة: «الست أنغام القوة الناعمة بتاعتنا، تخيّل لما تشوف قوتنا الخشنة».
هذه الحمية التي تنتج عنها تصرفات تحمل بعضاً من المبالغة وربما الشطط، وصلت بفنان مثل محمد رمضان، ليقول كلاماً وصفه المتابعون بالسذاجة والرغبة في «الترند» حين تحدث في فيديو مثير للجدل عن دبابات الجيوش العربية التي «يأكلها الصدأ» من دون أن تُستخدم، فيما طالبه المتابعون بالاهتمام بأهل غزة وشهدائها بدلاً من قول «كلام حنجوري». لكن يبدو أن الرغبة في الظهور وقت الأزمات، تتحدّى كل شيء لدى رمضان. كما شارك الفنانون والمشاهير في مصر يوم الجمعة الماضي في تظاهرة «دعماً لفلسطين» أمام النصب التذكاري للجندي المجهول في وسط القاهرة ضمن تظاهرات عدة خرجت في أماكن كثيرة دعماً لتوجه الدولة المصرية الرافض لتوطين الفلسطينيين في سيناء.
فطن كاظم الساهر وراغب علامة وإليسا إلى الفخّ، فلم يردّوا عليه


انساق فنانون عرب أكثر من مرة إلى الحديث إلى أفيخاي أدرعي ظناً منهم أنّ دورهم الاشتباك معه وسبّه، وبالتالي الانتصار عليه، رغم أنّ هذا فخ سياسي يجعلهم يتحدثون إلى من يمثل «الاحتلال» ويظهرونه- ولو عن طيب نية- بشكل أكبر للجمهور. وأدرعي هو الآخر يريد هذا ويعمل عليه. فإذا كانت الشتائم ستجعله يتصدر الأخبار فأهلاً بها، وقد اشتبك من قبل مع الفنانة اللبنانية إليسا، فقامت بعمل «بلوك» له. وفطن المطرب اللبناني راغب علامة قبلاً إلى ما يريده أدرعي، فقال إن «المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لن ينجح في استدراجنا إلى الرد، فهو لا يستحقّ منا هذا الشرف لا في الشكل ولا في المضمون». جاء ذلك حين استخدم أدرعي كلمات أغنية «طار البلد» لراغب في إحدى تغريداته، ليتوقف الأمر عند هذا الحد. ويتقصّد أدرعي أن يستخدم أسماء الفنانين والمطربين العرب في تغريداته، ليجرّهم للحديث معه في ما يشبه «التطبيع الإلكتروني»، وما يدلل على أنه يسعى لهذا الأمر دائماً. منذ فترة، هنأ كاظم الساهر في عيد ميلاده، من دون أن يردّ المطرب العراقي عليه، فلم يكن للأمر صدى كبير. أما حين يرد عليه فنان ويشتمه، فتتحول أخبار متحدث جيش الاحتلال إلى تقارير في النشرات الإخبارية والبرامج التي تتحدث عن مواقع التواصل الاجتماعي، وأي تقارير عن «شتائم» تحظى بمشاهدة كبيرة وأنغام كانت من أحدث ضحايا تلك الخطة في حملة بروباغندا أدرعي.