لا زالت تتواصل الاستنكارات على أداء الإعلام الغربي، وخصوصاً الأميركي والبريطاني، إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). آخر الاستنكارات ما حصل قبل يومين في تظاهرة تضامنية مع غزة أقيمت بالقرب من معبر رفح من الجانب المصري. إذ تصدّت الناشطة والصحافية المصرية رحمة زين لوارد، موجّهةً إليها انتقادات لاذعة على التغطية الأميركية المضلّلة للحرب ونقل وجهة نظر إسرائيل وأبلسة الفلسطينيين. وفي مصر، لقّنت زين درساً لمراسلة CNN سارة سيدنر، في التظاهرة التي أُقيمت بالقرب من معبر رفح. بصوت عالٍ، خاطبت الصحافية المصرية سيدنر التي ظهرت بداية الحرب وهي تتلقى تعليمات من المخرج لإبداء الخوف والذعر أثناء تغطيتها للأحداث الدائرة في فلسطين، قائلة «أفهم أنك تمثلين حكومتك وسياساتك التي تدّعين أنها تدعم حرية التعبير وحرية الرأي. لكن أنتم تفهمون معنى الديمقراطية وفقاً لما تريدون فقط، وتتعاملون مع المبادئ بما يتماشى مع مصالحكم فقط».
عمّال ينظّفون الطلاء الأحمر الذي قذف به المقرّ الرئيس لـ bbc في لندن بعد احتجاجات أقيمت في 14 تشرين الأول متهمةً الشبكة بانحيازها إلى إسرائيل (جاستن تاليس ـ أ ف ب)

وقبل ذلك، تصدّى متظاهرون فلسطينيون في رام الله لمراسلة «سي. أن. أن» هناك، متّهمين القناة بأنّها داعمة للإبادة والمجازر الإسرائيلية، معلنين أنّه «غير مرغوب بها». كل يوم نقع على فيديوات تفضح الانحياز الغربي للاستعمار، ومحاولات للتصدّي لهذا الانحياز بإعلاء الصوت. bbc ليست الوحيدة في دعم إسرائيل، بل في التواطؤ مع المجازر والإبادات الحاصلة، هي التي نشرت تقريراً قبل يومين من قصف «مستشفى المعمداني» تلمّح فيه إلى أنّ «حماس» تختبئ في أنفاق تحت المستشفيات والمدارس، إلى جانب وصفها التظاهرات التي خرجت في بريطانيا تضامناً مع غزة وتنديداً بالمجازر الإسرائيلية بحقّها بأنّها «تظاهرات تدعم حركة «حماس»». وما كان ينقص سوى التجسّس على فريقها العربي على حساباته على السوشال ميديا (الأخبار 17/10/2023)، وتوقيف ستة منهم عن العمل وإحالتهم إلى محكمة التفتيش الإداري (اللبنانيتان سناء الخوري وندى عبدالصمد، والمصريون سلمى خطاب، وسالي نبيل، وآية حسام، ومحمود شليب) بتهمة التعاطف مع غزة والقضية الفلسطينية. ولا زالت الأخبار تتوالى من كواليس «هيئة الإذاعة البريطانية»، فموظّفو مكاتب لبنان ومصر والأردن وتونس التابعة للشبكة، اعترضوا على السياسة التحريرية للشبكة البريطانية وتغطيتها المنحازة بل المتواطئة مع الاحتلال، حتى تطوّر الأمر إلى استقالات داخل «bbc عربي» من مختلف الأقسام.
بعد استقالة الصحافي التونسي بسام بونني من الشبكة «لما يحتّمه علي الضمير المهني» على حدّ تعبيره على صفحاته على السوشال ميديا، أعلن الصحافي اللبناني إبراهيم شمص استقالته من «bbc عربي»، قائلاً على صفحته على الفايسبوك: «تقدّمت بالاستقالة من «bbc عربي»، احتجاجاً على تغطية الحرب، ولا أحمل في قلبي إلا الود للزملاء الكرام». في هذا السياق، تلفت المعلومات لـ «الأخبار» إلى أنّ إدارة «bbc عربي» وعدت الموظفين بفتح النقاش والاستماع لآرائهم بشأن تغطيتها للحرب على غزة. وتشير المصادر إلى أن الوضع بدأ يتأزم في الشبكة قبل أكثر من عام، تزامناً مع تغطيتها للحرب الأوكرانية الروسية، لكنه تفجّر مع الحرب الإسرائيلية على غزة ووقوف الشبكة السافر مع إسرائيل.
أعلن الصحافي اللبناني إبراهيم شمص عن تركه العمل في «bbc عربي»

وعلى أثر سياسات «هيئة الإذاعة البريطانية»، بدأت أصوات صحافييها ترتفع، مطالبين إياها بالعدول عن تطرّفها التحريري. وكانت مجموعة من المحامين المصريين من بينهم نقيب محامي شمال القاهرة السابق محمد عثمان، قد أشاروا إلى أنّ الإعلام الغربي على رأسه bbc، «بثّ أخباراً ومعلومات كاذبة حول المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وساعد في تغيير الرأي العام العالمي حول إسرائيل، وما ترتكبه من جرائم يُعاقب عليها القانون الدولي وترقى لجرائم حرب الإبادة». وأشار عثمان إلى أنّ الشبكة «كانت المحرك الأساسي والمحرض الرئيسي في قيام القوات الإسرائيلية بقصف «مستشفى المعمداني» في غزة وارتكاب جريمة مروعة بحق المدنيين العزّل والأطفال والنساء»، مشيراً إلى أنّ «التقارير الإعلامية التي نشرتها bbc حول وجود أنفاق في المستشفيات والمدارس بالكذب والزور دفع الاحتلال إلى قتل العشرات بسبب هذه المعلومات المغلوطة والكاذبة». يُذكر أنّ الاستقالات لا تقتصر على bbc، إذ استقالت الصحافيتان التونسيتان أماني السولاتي وأشواق الحناشي اللتين كانتا تعملان في شبكة «كنال +» الفرنسية، احتجاجاً على انحياز الأخيرة لإسرائيل وغيرهما من الإعلاميين العرب العاملين في القنوات الأجنبية.