القاهرة | استبشر كثيرون خيراً بعد إعلان عدد من دور النشر ومؤسسات ثقافية عربية مقاطعة الدورة الـ 75 من «معرض فرانكفورت الدولي للكتاب» الذي اختُتم أمس، بسبب إعلان مديره يورغن بوس عن تأييد المعرض للكيان الصهيوني في حربه على قطاع غزة، واصفاً ما قامت به المقاومة بـ «العمل الإرهابي» وأنّ «الإرهاب ضد إسرائيل يتناقض مع كل قيم معرض فرانكفورت للكتاب». و«حفاظاً على هذه القيم أيضاً»، أعلن يورغن إلغاء تسليم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي المقيمة في برلين، جائزة «الجمعية الأدبية الألمانية» Litprom، عن روايتها «تفصيل ثانوي» ضمن الفعاليات لمصلحة إعلاء الأصوات الإسرائيلية في المعرض. حالة الرفض والإدانة العربية لما قام به المهرجان أحيت الأمل مجدداً بموقف موحّد تتخذه المؤسسات الثقافية العربية (الرسمية والخاصة)، إلا أنّه سرعان ما تبدّد هذا الأمل مع مشاركة دور نشر وناشرين كانوا قد أعلنوا رفضهم موقف المعرض، بل إنّ بعضهم سبق له التوقيع على بيان يدين العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، واستهداف المدنيين، وتضمّن البيان تأييدهم على «الحق الطبيعيّ في مقاومة مُحتلِّهم، فهو الحق الذي كفلته لهم كلّ شريعة وأقرّه كل قانون واطمأنَّ به كل عُرف»، وهو ما يتناقض بشكل أساسي مع إعلان مدير المعرض، قبل أن يتراجع عن تصريحه، كأن حالهم يقول إن الإدانة شيء والمشاركة شيء آخر.
«من دون عنوان» (أكريليك على كانفاس ــــ 2013) للفنان الفلسطيني نبيل عناني

الاحتجاج على تصريحات مدير المعرض، استُقبلت بحالة رفض واسعة من جانب بعض المؤسسات الثقافية وفي مقدمتها «هيئة الشارقة للكتاب» التي أعلنت عن انسحابها من المعرض، ثم تبعها «اتحاد الناشرين العرب»، الذي أكد في بيان نشره على موقعه الرسمي أنّه قرر «سحب المشاركة تعبيراً عن رفضه وإدانته لإدارة المعرض، وأيضاً تضامناً مع الشعب الفلسطيني الذي سينتصر». وعلى الرغم من التزام بعض الناشرين العرب بقرار الاتحاد وانسحابه بالفعل من المشاركة في المعرض، إلا أن القرار في النهاية غير ملزم للناشرين بشكل عام، ولا يوجد ما يمنع المشاركة سوى الموقف من تصريحات مدير المعرض. وقد تداول عدد من مستخدمي الفايسبوك صوراً لناشرين مصريين شاركوا في المعرض من بينهم، شريف بكر مالك مدير «دار العربي للنشر والتوزيع»، وأحمد البوهي أحد مؤسسي ومدير «دار دون للنشر»، والناشرة فاطمة البودي مالكة ومديرة «دار العين للنشر والتوزيع» التي شاركت في المعرض كونها مديرة «دار العين» التي فازت أخيراً بـ «جائزة الشيخ زايد للكتاب» عن فرع «النشر والتقنيات الثقافية». وقد تعرّضت فاطمة البودي للهجوم الأكبر من بين المشاركين لأسباب عدة: أوّلها أنّ الإمارات هي التي تقود قطار التطبيع مع الصهاينة في السنوات الأخيرة، وثانياً أنّه للمفارقة، فقد وقّعت فاطمة، قبل يوم تقريباً من مشاركتها في المعرض، على بيان للمثقفين العرب يُدين العملية الإسرائيلية في غزة، وثالثاً أنّها كانت قد شاركت في «معرض فلسطين الدولي للكتاب» الشهر الماضي، وأخيراً أنّ الندوة المعدّة لها في المعرض أدارتها هانا جونسون، وهي يهودية أميركية متخصصة في الكتابة عن الهولوكوست.
تعرّضت فاطمة البودي للهجوم الأكبر من بين المشاركين

لذلك كلّه نالت فاطمة القسط الأكبر من الهجوم، بينما اعتبر عدد من أصدقائها أنّ «مشاركتها لا تدينها لكنه قرار غير موفق».
ولم يُعلن أي من الدول العربية المشاركة في المعرض انسحابها منه. ففي إطار ما يسمّى «التبادل الثقافي»، شهدت دورة هذا العام مشاركة كل من السعودية، والإمارات، وسلطنة عمان، ومصر، وسوريا، وقطر. وجاءت مشاركة هذه الدول بمؤسساتها الرسمية مثل «منتدى أبو ظبي للسلم»، و«مركز أبو ظبي للكتاب»، و«مركز أبو ظبي للغة العربية»، و«مبادرة ترجم»، وإمارة دبي، و«جامعة حمد بن خليفة»، ووزارة الثقافة في سلطنة عمان، ووزارة الثقافة السعودية، و«دار الكتب»، و«الهيئة العامة للكتاب» المصرية. ويُرجع مصدر انسحاب الدول من المشاركة في المعارض الدولية، بأنّه قرار سياسي في المقام الأول، ولا يكون عادةً قرار الجهة المشاركة ذاتها.
وجاءت مشاركة المؤسسات المصرية في المعرض على رغم إعلان وزارة الثقافة التابعة لها الهيئة، بإدانة الهجوم الصهيوني على «مستشفى المعمداني» في غزة الذي خلّف حوالى 500 شهيد، وهو ما اعتبره الصحافي المصري مصطفى الكيلاني، «تحدياً من جانب الهيئة للدولة المصرية وبرلمانها»، موضحاً أنه في الوقت الذي تحمّل فيه بعض الناشرين الصغار كلفة الانسحاب من المعرض، يأتي موقف الهيئة مناقضاً للموقف المصري والبرلمان الذي أصدر بياناً يهدد فيه بشكل رسمي بالحرب مع إسرائيل إذا واصلت مخططها لتهجير أهالي غزة إلى سيناء، بينما «هيئة الكتاب تشارك بوفد ضخم في المعرض. وكمان فرحانين ومبسوطين قوي في الصور»!