غزة | لا تعكس ملامح الرجل الهادئة، وطريقة حديثه المتّزنة، قدْر الجدل الذي تَرافق ومسيرة حياته، منذ كان معتقلاً في السجون المصرية، وحتى تَحرّر منها في عام 2011، إلى أن صعد ليشغل أخطر الملفّات في بنية «كتائب الشهيد عز الدين القسام». ظلّ المسؤول السابق لجهاز الاستخبارات، أيمن نوفل، شخصية محاطة بهالة من الغموض والمحورية. «أبو أحمد» الذي التقت به «الأخبار» ثلاث مرّات على هامش مناورات «الركن الشديد»، يُعتبر الخسارة العسكرية البشرية الأكبر منذ بداية «طوفان الأقصى». قبل أيام معدودة من العبور الكبير، أشرف الرجل بنفسه على تدريب المقاومين. وعلى هامش «الركن الشديد 4»، صدّر واحداً من أبرز تصريحاته التي ستغدو بعد أيام واقعاً: «نقول للعدو إن جدرانه وتحصيناته لن تحميه، وسنعيد الإغارة عليه حتى نحرّر أسرانا ومسرانا». لا أحد من الصحافيين الذين أحاطوا بالرجل، كان يتوقّع أن يَخرج التصريح من إطار التعبئة المعنوية، أو خطّة المقاومة المستدامة في مقارعة العدو، غير أن تصريحه المقتضب تحوّل بعد استشهاده في ظهر يوم الثلاثاء الماضي، الواقع في 17 تشرين الأول الجاري، إلى أيقونة تداولها الآلاف من المحبّين. في المنطقة الوسطى، التي شغل قيادتها في آخر المناصب العسكرية في «كتائب القسام»، لم يصدّق المئات من المواطنين الذين احتشدوا لتشييع جثمانه برغم القصف الجوي المكثّف، أن الرجل المحبوب رحل بكلّ تلك السرعة. في أوساط «كتائب القسام»، يُعرف «أبو أحمد» بأنه القائد الغامض المبدع، الذي يركّز على اجتراح الحلّ من كلّ مشكلة. يقول أحد رفاقه الذين عايشوا العمل معه عن قرب: «أبو أحمد قائد استثنائي، في طريقة تفكيره وتعامله مع مشكلات الميدان. السياج تحت الأرضي، الذي أنفقت إسرائيل مليارات الشواكل لإنجازه، رأى فيه فرصة وليس أزمة: يفكّر الإسرائيلي تحت الأرض، فَلنفكّر من فوقها (...) بالإضافة إلى ذلك، هو رجل ملهم، قليل الكلام، قليل الظهور، يحبّه كلّ من عرفه، ويمتلك تأثير السحر على جنوده وقياداته الميدانيين».
كذلك، بذل الرجل جهوداً كبيرة في تشكيل الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، وقد استنفد أكثر جهده في صناعة صورة وحدوية للأذرع العسكرية خلال السنوات الماضية. يقول مصدر في حركة «الجهاد الإسلامي»: «تدخّل الرجل دائماً لتقريب وجهات النظر، ولصناعة الصورة الموحّدة للمقاومين، سواءً عبر مناورات الركن الشديد، التي لعب دوراً بارزاً في استدامتها، أو عبر إنهاء كل المشكلات والخلافات على الأرض وتطويقها. كان بابه مفتوحاً للجميع، حِلمه يسبق غضبه، وابتسامته لا تغادر وجهه». قضى قائد لواء المنطقة الوسطى في «كتائب القسام»، في قصف استهدف مربّعاً سكنياً كاملاً في مخيم البريج، ليزفّه الآلاف من المواطنين. وبينما كان جثمانه يوارى الثرى، انطلقت العشرات من الصواريخ تجاه مدن العمق، معلنِةً أن التراجع ليس خياراً في هذه الحرب. أمّا على الحدود، فانشغل الاحتلال باحتمال تمكّن المزيد من المقاومين من العبور، بينما على الضفة المقابلة كان أحدهم يضحك قائلاً: «إنهم جنود أبو أحمد».