غزة | بعد مرور ما يزيد عن أسبوعَين على عملية «طوفان الأقصى»، تُواصل الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إطلاق رشقاتها الصاروخية تجاه المدن والمستوطنات الإسرائيلية كافة، بكثافة نارية أجبرت قوات الاحتلال على إخلاء مدينة «سديروت» المحاذية للقطاع بالكامل، والتفكير جدّياً بإخلاء مدينة «عسقلان» التي يسكنها 160 ألف مستوطن، وتبعد نحو 40 كيلومتراً عن غزة، وسط محاولة مستمرّة لفرض رقابة جادّة على آثار سقوط الصواريخ.وتحمل رشقات «كتائب القسام» و«سرايا القدس» المستمرّة، طابع الزخم والكثافة، في ما يُراد توظيفه لإيصال رسائل عسكرية وسياسية، أبرزها أن القدرات الصاروخية للمقاومة لم تتأثّر رغم أكبر عملية قصف جوي تُواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية تنفيذها في غزة. وإذ نالت «مدن العمق»، أي «تل أبيب» وحيفا والقدس، نصيباً وافراً من تلك الضربات، في ظلّ فشل منظومة «القبة الحديدية» في تحقيق نتائج ملموسة على صعيد التصدّي لصواريخ المقاومة، يتكرّر، بين الفينة والأخرى، نشر صور ومقاطع مصوّرة عبر مجموعات المستوطنين في «تيلغرام» تُظهر مدى تأثير هذه الصواريخ، بينما يتحدّث المعلّقون الإسرائيليون عن أصوات انفجارات ضخمة، وحرائق وهدم جزئي لبعض البنايات التي تسقط عليها الرشقات مباشرة.
من جهتها، توضح مصادر في المقاومة، في حديث إلى «الأخبار»، أنه تمّ التوافق على إدارة معيّنة لتوظيف القدرات الصاروخية، تراعي مجموعة من العوامل، أهمّها:
- المحافظة على المخزون الصاروخي من الاستنزاف، وذلك وسط توقّعات بأن تستمرّ الحرب لمدّة طويلة، في مقابل الحرص المعهود لدى المقاومة على استدامة الكثافة النارية حتى الساعة الأخيرة من الحرب.
- توظيف القدرات الصاروخية لتوصيل رسائل سياسية وعسكرية، والمحافظة على معادلة الإغراق الصاروخي ردّاً على المجازر التي تُرتكب بحق العائلات والمدنيين.
- فرض معادلة التهجير مقابل التهجير؛ إذ نجحت المقاومة في إفراغ مناطق شاسعة من مستوطنات «غلاف» قطاع غزة ومدنه من المستوطنين، بينما ترى أن في مقدورها مواصلة هذا النوع من الضغط، عبر التركيز المتواصل على مدينة تلو أخرى، ما يشعر الجبهة الداخلية بثقل استمرار هذه الحرب لمدّة أطول، ويزيد الأصوات الداخلية المُطالِبة بوقفها.
- ادّخار جزء من الإمكانات الصاروخية لمرحلة الهجوم البرّي؛ إذ إن استمرار إطلاق الصواريخ في أوج الحملة البرّية، سيضاعف الشعور بالفشل لدى المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية والجبهة الداخلية لمجتمع الاحتلال.
بالإضافة إلى القدرات الصاروخية، التي أظهرت المقاومة حتى اللحظة قدرة فائقة على التحكّم الميداني في توقيت إطلاقها ومداه، ما يدلّل على أن سياسة «الأرض المحروقة» التي يتّبعها الاحتلال، والتي أدّت إلى مسح أحياء كاملة عن وجه الأرض، لم تطل البنى التحتية لكلّ من «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، وتُواصل المقاومة الإفصاح عن قدرات عسكرية جديدة، إذ بعدما كشفت عن منظومة «متبّر» الخاصة بالدفاع الجوي، أماطت «القسام» اللثام عن منظومة «أبابيل» المسيّرة، وهي طائرات «درونز» كبيرة تحمل مقذوفات من عائلة «آر بي جي» تُطلَق من الجو، واستُخدمت في استهداف الآليات والحشود العسكرية على حدود غزة. كما نشرت «القسام»، أمس، مقطعاً مصوّراً يُظهر استهدافها «السرب 107» في قاعدة «حتسريم»، ومقرّ قيادة «فرقة سيناء» في قاعدة «تسليم»، وذلك باستخدام مسيّرة «زواري»، التي كانت استخدمتها لأوّل مرّة في معركة «سيف القدس» قبل عامين، وهي من صنع الشهيد «القسّامي»، محمد الزواري، الذي اغتاله «الموساد» عام 2016.
كذلك، واصلت المقاومة استهداف حشود الاحتلال العسكرية، بوابل مكثّف من الصواريخ القصيرة المدى وقذائف «الهاون» الثقيلة، فيما بدا واضحاً تقصّدها إطلاق الرشقات الصاروخية في توقيت مُزامن لاشتعال الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة، وهو تكتيك من شأنه أن يتوسّع في حال زاد الضغط من «حزب الله» والمقاومة الفلسطينية من الحدود اللبنانية. وفي هذا السياق، يؤكد مصدر في المقاومة أن الأذرع العسكرية أعدّت نفسها لحرب طويلة، وقد راكمت، في السنوات الخمس الماضية، كمّيات كبيرة من الصواريخ، وأمّنت الهامش اللوجستي اللازم لاستخدامها، من دون أن يفلح القصف الإسرائيلي المكثّف في إجهاضها.