غزة | لم تفلح كلّ الجهود الدولية والإقليمية، والتي بُذلت خلال 18 يوماً من الحرب، في إجبار دولة الاحتلال على السماح بدخول قوافل المساعدات المحتشدة على الجانب المصري من معبر رفح البرّي إلى قطاع غزة. مساء أول من أمس، سُمح بدخول نحو 14 شاحنة من المساعدات، بالتزامن مع إفراج «كتائب الشهيد عز الدين القسام» عن أسيرتَين إسرائيليتَين «لأسباب إنسانية قاهرة». وتلك الشاحنات، كانت الدفعة الثانية من المساعدات التي سُمح بإدخالها إلى القطاع منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول الجاري. غير أن ما أُدخل من شاحنات، لا يلبّي لجهة الكمّ والنوع، سوى 0.02% من حاجات سكّان غزة، وفقاً لمدير المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، سلامة معروف، الذي قال إن «ما سُمح بدخوله من مساعدات مساء الإثنين، كان 20 شاحنة فقط، غالبيتها محمّلة بالمعلّبات والمياه وقليل من المستلزمات الطبية، علماً أن ما كان يدخل إلى القطاع في الظروف الطبيعية ما قبل العدوان، كان يتجاوز الـ500 شاحنة يومياً». وأكّد معروف أن «هذه القافلة وعشرات مثلها، لن تلبّي حاجات القطاع كمّاً ونوعاً، ولا سيما في ظلّ الامتناع عن إدخال الوقود، الذي بات أولوية لعمل كلّ القطاعات الحيوية المعطّلة تماماً من مثل المستشفيات والبلديات».على أن المثير للسخرية والبكاء في آنٍ واحد، هو ما أوضحه، لـ«الأخبار»، مصدر حكومي، عن نوعية المساعدات التي دخلت القطاع في كلتا الدفعتَين، إذ يقول المصدر إن «الشحنة الأولى كانت عبارة عن 20 شاحنة، 18 منها معبّأة بالمياه والمعلّبات والأكفان، وشاحنتان فقط كانتا تحويان معدّات طبية بسيطة جداً، مثل الشاش والقطن وبعض الأدوية، والأكثر إثارة للهزء، هو إرسال كميات من شرائح فحص فايروس كورونا». وبحسب الناطق باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، فإن «الوزارة أرسلت إلى الجهات الدولية قوائم بالحاجات الضرورية المناسبة للظرف الطبّي الذي يعيشه القطاع، حيث يُجري الأطباء عمليات جراحية دقيقة في الرؤوس والعظام والأعصاب، لكنّ أيّاً من تلك المتطلّبات لم يصل إلى غزة في شحنات المساعدات الشحيحة».
الاحتلال يستخدم المساعدات كوسيلة ابتزاز، ويريد الوصول بالقطاع إلى مرحلة الانهيار التامّ


وتخضع عملية إدخال شِحنات المساعدات لإجراءات معقّدة. وفي هذا الإطار، أفاد مدير الإعلام في معبر رفح، وائل أبو عمرو، بأن «الشحنة الأولى تمّ إدخالها بطريقة بطيئة جداً، حيث أُدخلت الشاحنات المصرية الـ20 واحدة تلو أخرى إلى المنطقة الفاصلة بين الجانبيْن الفلسطيني والمصري، وتمّ تفريغ كلّ منها بشكل يدوي في شاحنات فلسطينية، قبل إدخال الأخرى. أمّا الشحنة الثانية، فقد خضعت لتفتيش دقيق في الجانب الإسرائيلي قبل أن تدخل القطاع». وكان جيش الاحتلال قد أعلن، مراراً، أن الشاحنات التي تدخل لصالح «الهلال الأحمر» و»الصليب الأحمر»، يجب أن لا تصل إلى حركة «حماس»، وهدّد بقصف أيّ شاحنة تتسلّمها الحركة، كما اشترط أن يتم توزيع المساعدات على المناطق الجنوبية من القطاع فقط، ولم يَسمح بوصول أيّ من المساعدات إلى مدينة غزة وشمال القطاع.
وفي تعليقه على ذلك، يرى المحلّل السياسي، أيمن الرفاتي، أن «الاحتلال يستخدم المساعدات كوسيلة ابتزاز، ويريد الوصول بالقطاع إلى مرحلة الانهيار التامّ في كلّ القطاعات الإنسانية والخدماتية، ظنّاً منه أنه يستطيع بذلك إجبار المقاومة على الاستسلام ورفع الراية البيضاء». ويقول الرفاتي، لـ«الأخبار»: «كان ملاحظاً أن الاحتلال وافق على إدخال شحنتَي المساعدات في إطار صفقة تسليم أربعة من الأسرى (...) هذه الآلية لا يمكن لها أن تستمرّ، لأن شِحنات المساعدات لم تُحدث أيّ فارق في أوضاع القطاع الإنسانية، كما أن الظروف الميدانية لن تسمح في وقت لاحق بتكرارها». جدير بالذكر أن المنظومة الصحّية في القطاع دخلت، أمس، في مرحلة الانهيار التام، بعد أن خرجت 12 مستشفى عن العمل، بفعل القصف الإسرائيلي أو نفاد الوقود، فيما لم تصل الكهرباء والمياه النقية إلى 90% من منازل غزة منذ بدء الحرب.