بدعمها الحرب الوحشية الإسرائيلية ضدّ قطاع غزة، تتصرّف الولايات المتحدة بمنطق المنتصر الذي يستطيع فرض الشروط، مستغِلّة العدد الهائل من الضحايا المدنيين والكمّ الكبير من الدمار، وفق ما يظهره مشروع قرار أعدّته في مجلس الأمن، تطلب فيه عملياً استسلام حركة «حماس» ومعها «حزب الله» وإيران. مشروع القرار الذي يمكن لدولة أخرى أن تقدّم عكسه تماماً، وفقاً لقراءة أخرى لموازين القوى ترى أن حركة «حماس» ما زالت بكامل قوتها في غزة، فضلاً عن «حزب الله» وباقي أطراف محور المقاومة، وأن المأزوم هو الولايات المتحدة وإسرائيل، يراهن على شيء واحد فقط، هو استثمار معاناة المدنيين الناجمة عن الحرب للضغط على المقاومة، وهو ما تثبت التجارب الماضية أنه لا يمكن أن ينجح.لكن على مستوى آخر، يكفي أن يكون المشروع منحازاً إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى يكون في انتظاره «فيتو» مزدوج، روسي - صيني في مجلس الأمن. والمقترح الأميركي، الذي يختبئ وراء بعض بنود المشروع البرازيلي الذي أسقطته الولايات المتحدة نفسها، وما كان ليكون مقبولاً لدى المقاومة، يتضمّن لغة غريبة على كلّ قرارات المجلس السابقة المنحازة إلى إسرائيل، حتى يبدو كما لو أن هذه المعركة هي معركة حياة أو موت بالنسبة إلى الغرب. يبدأ المشروع، الذي تزامن إعداده مع اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في المجلس، واطّلعت «الأخبار» على نصّه، بمحاولة لإلغاء حركة «حماس»، من خلال القول إنها «لا تمثّل حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير، وإنها مصنَّفة حركة إرهابية من عدد كبير من الدول الأعضاء». ومن ثمّ يرفض «بلا أيّ لبس، الهجمات الشنيعة التي نفّذتها حماس وجماعات إرهابية أخرى، والتي حصلت في إسرائيل بدءاً من السابع من تشرين الأول 2023، وكذلك احتجاز وقتل رهائن، والقتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي والإطلاق العشوائي للصواريخ، ملاحظاً أن حماس لديها النية والإمكانية لتنفيذ هجمات إضافية». ويعبّر عن «تعاطفه العميق وتعازيه إلى الضحايا وعائلاتهم وكلّ الحكومات التي استُهدِف مواطنوها بالهجمات المشار إليها آنفاً (المقصود إسرائيل والدول الغربية)». وبعد ذلك، يمدّ هذا التعاطف والتعزية «إلى كلّ المدنيين الذين فقدوا حياتهم منذ السابع من تشرين الأول 2023».
ويعيد المشروع «تأكيد حق إسرائيل الطبيعي في الدفاع عن نفسها فردياً وجماعياً وفق ما ينصّ عليه البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة». ويدين بأشدّ العبارات «كلّ أعمال العنف والأعمال العدائية ضدّ المدنيين وكذلك استمرار الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي والانتهاكات الجسيمة والممنهجة والواسعة لحقوق الإنسان وأعمال التدمير البربرية التي نفّذتها حماس، بما في ذلك الاستخدام المُستهجن للمدنيين كدروع بشرية ومحاولتها إحباط حماية المدنيين».
وبعد أن يعبّر عن تقديره لجهود قطر والدول الأخرى، والتي أسفرت عن إطلاق رهينتَين كانتا محتجزتَين من قِبل «حماس» في 20 تشرين الأول 2023، يطالب المشروع «بالإفراج الفوري وغير المشروط عن كلّ الرهائن الباقين المحتجزين لدى حماس، وكذلك ضمان سلامتهم ومعاملتهم بصورة إنسانية، بما يتوافق مع القانون الدولي».
لم يشر المشروع إلى الاحتلال، ولا إلى الجرائم الإسرائيلية المرتكَبة ضدّ الفلسطينيّين


ويدعو الدول الأعضاء إلى تكثيف الجهود «لكبح تمويل الإرهاب، بما في ذلك تقييد تمويل حماس من خلال قوانين وطنية قابلة للتطبيق»، ويطالب «الدول الأعضاء والمنظّمات الدولية باتخاذ خطوات ملموسة وعاجلة لدعم جهود الأمم المتحدة والدول الإقليمية لمنع امتداد أو توسّع العنف الدائر في غزة إلى أماكن أخرى في المنطقة، بما في ذلك المطالبة بأن يوقف حزب الله ومجموعات مسلّحة أخرى فوراً كلّ الهجمات التي تشكّل انتهاكات للقرار 1701». ويعتبر أن «إيران يجب أن توقف تصدير كلّ الأسلحة والمواد المتعلّقة بها إلى ميليشيات مسلّحة وجماعات إرهابية تهدّد السلام والأمن في كلّ المنطقة، بما في ذلك إلى حماس». ويدعو إلى «بذل الجهود الديبلوماسية للتوصّل إلى سلام شامل يرتكز على رؤية حلّ الدولتين».
وإذ لم يشرِ المشروع إلى الاحتلال الإسرائيلي، ولا إلى الجرائم الإسرائيلية المرتكَبة ضدّ الفلسطينيين، بما فيها تلك التي تُرتكب الآن في قطاع غزة ومعظم ضحاياها من الأطفال والنساء والشيوخ، فإنه يحثّ بلغة عامة «على توفير الحاجات والخدمات الضرورية بصورة مستمرّة وكافية، ومن دون عوائق، للمدنيين في غزة، بما في ذلك الماء والطعام والوقود والإمدادات الطبية، ويشدد على ضرورة الامتناع عن مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو تعطيل الأهداف التي تُعدّ لا غنى عنها بالنسبة إلى المدنيّين».
وبدا المشروع الأميركي غير واقعي نهائياً بالنسبة إلى دبلوماسيين في مجلس الأمن، ولا سيما أن عملية «طوفان الأقصى» التي أذلّت إسرائيل، وأظهرتها هزيلة عسكرياً وأمنياً، ما زالت طرية في الذاكرة. هذا الهزال العسكري، تُرجِم هزالاً دبلوماسياً، إذ قالت مصادر دبلوماسية في المجلس لـ«الأخبار» إن المندوب الإسرائيلي بدا ضعيفاً خلال محاولته تقديم حجج واهية في محاولة مجانية لكسب التعاطف، مستنداً إلى أدلة مثل الواتساب، حيث نقل عن مقاوم فلسطيني تفاخره في محادثة مع زميل له عبر التطبيق بأنه «قتل عشرة إسرائيليين».