غزة | في تمام الساعة الـ4:30 من عصر الأحد الماضي، نفّذت القوات المدرّعة الإسرائيلية «بروفة» تقدّم برّي إلى داخل الحيّز الجغرافي لقطاع غزة. من السلك الشائك شرق مدينة خانيونس، تقدّمت قوة مدرّعة قوامها جرّافتان ودبّابة، لبضعة أمتار. هناك، انقضّت عليها «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، وهاجمتها بالصواريخ الموجَّهة، ما تسبّب بتدمير جرّافتَين ودبّابة. اعترف الاحتلال، وقتها، بمقتل جندي وإصابة ثلاثة آخرين، فيما قالت «القسام» إنّ الجنود تركوا آلياتهم المحترقة، وعادوا إلى مواقعهم في داخل السياج الحدودي جرياً على الأقدام. مثّلت تلك الواقعة محاولة التدخّل الأولى برّاً منذ ما يزيد على 15 يوماً من الحرب، واصل الاحتلال خلالها التهديد بعملية برّية «ساحقة ومميتة»، سيتمكّن عبرها من القضاء على حركة «حماس» تماماً، فضلاً عن تحرير الأسرى الإسرائيليين الذين تحتفظ بهم الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة.وفي يوم الإثنين الماضي، ومن بين عشرات عمليات إطلاق الصواريخ وقذائف «الهاون» التي طاولت مدن العمق والحشود العسكرية على حدود القطاع، نفّذت «القسام» عملاً مبادراً نوعياً آخر. إذ تمكّنت، في تمام الساعة الـ3 عصراً من إطلاق طائرتَين مسيّرتَين انتحاريتَين، من نوع «الزواري»، استهدفت أولاهما «السرب 107» (فرسان الذيل البرتقالي) التابع للقوة الجوية، والمتواجد في قاعدة «حتسريم»، فيما طالت الثانية مقرّ قيادة «فرقة سيناء» في قاعدة «تسليم» العسكرية. وفي مساء أوّل من أمس، تمكّنت قوة من الضفادع البشرية التابعة لـ«الكتائب»، من التسلّل بحراً، والنزول برّاً على شاطئ «زيكيم» جنوب عسقلان المحتلة، حيث خاضت اشتباكات مسلّحة مع جيش الاحتلال، الذي أقرّ متحدّث باسمه بالعملية، وقال إن عناصر الكوماندوس البحري الفلسطيني تسلّلوا عبر نفق إلى البحر ثمّ إلى شاطئ «زيكيم». وأطلقت «القسام»، أمس، صاروخ «متبّر» باتجاه مُسيّرة من طراز «هيرمز 450» في سماء خانيونس.
هذه الضربات الموفّقة والدقيقة للمقاومة، تنبئ بأن الأخيرة لا تزال متماسكةً ميدانياً، وقادرةً على التحكّم بعناصر الميدان، وتوظيف أسلحة جديدة في المساحات الحدودية التي ظنّ الاحتلال بعد 18 يوماً من القصف الجوّي المركّز على قاعدة «الأرض المحروقة»، وخصوصاً في المناطق الطرفية على طول شرق القطاع وغربه، أنه تمكّن من «تطهيرها». كما أن استهداف «فرقة سيناء»، بعد إطلاق جيش الاحتلال قذيفة «بالخطأ» طاولت موقعاً عسكرياً تابعاً للجيش المصري، وتسبّبت بإصابة العشرات من الجنود المصريين، حمل رسالة غير خافية من «القسام». وإذا أضيفت إلى ما تَقدّم، مواصلة الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، استهداف مدن العمق الإسرائيلي، برشقات صاروخية كثيفة، كان أبرزها عصر الثلاثاء، بقصف مدن تل أبيب وحيفا والرملة والقدس ومستوطنات الضفة الغربية المحتلة، بأكثر من 60 صاروخاً في رشقة واحدة، يتَّضح أن الرهان الإسرائيلي المستمرّ على سلاح الطيران، لم يُحدث أيّ فارق ميداني مؤثّر بشكلٍ جذري على قدرات المقاومة.
الضربات الموفّقة والدقيقة للمقاومة، تنبئ بأن الأخيرة لا تزال متماسكةً ميدانياً


وفي هذا المجال، يعتقد الباحث والمحلّل السياسي، إسماعيل محمد، أن «مواصلة المقاومة إظهار هذا المستوى من الاقتدار، من شأنها أن تزيد من تعقيد الحسابات الإسرائيلية حول العملية البرّية»، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «حتى اللحظة، لم تُظهر المقاومة كلّ ما جعبتها من قدرات، فيما يعيش جيش الاحتلال حالةً من عدم اليقين، حول قدرته على تحقيق أيّ منجز ميداني من خلال الدخول البرّي، فضلاً عن رعبه من أن يؤدّي هذا الدخول إلى تكرار سيناريو معارك الشجاعية والتفاح في عام 2014، والتي أدّت إلى مقتل أكثر من 60 جندياً من القوات البرّية في غضون بضعة أيام، ودفعت الاحتلال إلى الانسحاب مجدّداً والعودة إلى استخدام سلاح الجو حصراً». ويلفت محمد إلى أن «هناك ثماني سنوات فاصلة بين آخر تقدّم برّي قام به جيش الاحتلال في غزة وبين اليوم، وبالتأكيد هناك تطوّر مهول على صعيد القدرات العسكرية والأداء القتالي. لذا، فإن التأجيل المستمرّ للدخول البرّي، يحمل وجاهة إسرائيلية لجهة تقدير حجم الخسائر وما يقابلها من منجزات».
من جهتها، توضح مصادر مقرّبة من المقاومة أنه، وبعد 19 يوماً من القصف الجوي العنيف، تعيش المقاومة حالة من الترقّب والانتظار، وحتى تفضيل خيار الدخول البرّي الذي من شأنه أن يحدّ من استخدام سلاح الجوي. كما يفسح في المجال أمام انخراط أعداد كبيرة من التشكيلات العسكرية في المعركة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من الخسائر البشرية في صفوف الاحتلال، ويقصّر بالتالي عمر هذه الحرب.